في نهاية العام، غالباً ما تكون الأسواق متقلبة، حيث يذهب العديد من التجار وأصحاب الأعمال لقضاء عطلتهم، كما يعمل من تعرض لخسائر جسيمة منهم، على التخفف من حملها؛ وعندما يبدأ العام الجديد تبدأ الأسواق في الاستقرار. هذه القاعدة لا تنطبق على العام الجديد، حيث أغلقت الأسواق المالية على أسعار أدنى بدرجة كبيرة، بعد أسبوع شديد الصعوبة، على رغم تقرير الوظائف الأميركي القوي للغاية. أما الأنباء الاقتصادية خلال الأسبوع المنصرم، فقد غلب عليها أنباء الانخفاض الدراماتيكي لعملة الصين، وسوقها المالية، كما تضمنت أيضاً أنباء عن المزيد من الانخفاض في أسعار النفط، بسبب التوتر القائم بين إيران والسعودية. هذا يستدعي سؤالاً مؤداه: إلى أي حد يمكن للمتنبئين وصناع السياسات، أن يتطلعوا إلى الأسواق القائمة على المضاربة ليستمدوا منها مؤشرات على التوقعات المستقبلية. ليس هناك سوى قليل من الشك في أن الأسواق تبدو متقلبة، بالمقارنة. وعلينا أن نعرف أن أفضل المديرين التنفيذيين، هم أولئك الذين يدبرون أمور شركاتهم، وهم يركزون بشكل أساسي على تحقيق ربحية في المدى الطويل، لأعلى أسعار الأسهم اليومية. كذلك يحسن صناع السياسة صنعاً عندما يركزون جل جهودهم على تقوية الأسس الجوهرية لاقتصاد بلادهم من تركيزها على التقلبات اليومية في الأسواق. وصناع السياسة، الذين يهملون تحركات السوق باعتبارها تعكس مضاربات فحسب، غالباً ما يرتكبون خطأً فادحاً. وفي حين ترسل الأسواق في بعض الأحيان إنذارات زائفة، وينصح دائماً بعدم السير وراءها بطريقة عمياء، فإن الحكم التقليدية والأقوال المأثورة، لا تعترف قط بالعواصف التي تلوح نذرها في الأفق. من الضروري أن تُؤخذ مؤشرات السوق بأقصى قدر من الجدية، عندما يطول مداها، وتأتي من أسواق عديدة؛ كما هو الحال بالنسبة للمؤشرات الحالية الدالة على أن التضخم لن يصل إلى المستويات المستهدفة، خلال عقد من الزمن في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. في الأسبوع الماضي، شاهدنا تحركات سلبية ضخمة في الأسواق الصينية واستجابة واسعة لها في الأسواق الأجنبية. وفي حين أن ذلك يمكن أن يرجع لحقيقة أن التطورات الصينية، تعكس عادة مزيجاً من سيكولوجية السوق، والاستجابات السياسية الخرقاء، وأن الاستجابة الخارجية القوية لذلك لا تزيد عن كونها مجرد عدوى مؤقتة؛ إلا أنني أشك في صحة هذا التقييم. فخلال العام الماضي، تحقق ما نسبته 20 في المئة من النمو الاقتصادي الصيني- كما ورد في إحصائياتها الرسمية- من القطاع الخدمي- المالي، الذي نما نمواً خارقاً للمألوف، حتى وصل لدرجة يمكن مقارنته من حيث الحجم بالناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا. وإذا أضفنا لذلك أن مستويات الدين الصيني كانت مرتفعة على نحو استثنائي هي الأخرى؛ فإن ذلك في مجملة يسوغ لنا القول إن هذه الحالة ليست حالة من حالات النمو الصحي والمستدام. من المعروف أن الجزء الأكبر من النمو الذي شهده الاقتصاد الصيني، قد تحقق من الاستثمار المكثف في مشروعات البنية الأساسية، لدرجة أنه يقال إن الصين قد وضعت في تلك المشروعات أسمنتاً وخرسانة في العام الماضي وحده أكثر مما وضعته الولايات المتحدة في مشروعاتها للبنية الأساسية خلال القرن العشرين بأسره. وهذا النمو، من ناحية أخرى، غير مستدام، وحتى لو تم استبداله بالخدمات الداخلية، فإن مساهمة الصين في الطلب على السلع العالمية ستشهد انخفاضاً كبيراً. لقد أثبتت التجربة دوماً، أن أفضل مؤشر على الآفاق الاقتصادية المستقبلية لبلد ما، يتمثل في القرارات التي يتخذها مواطنوها إجابة على السؤال: هل يحتفظون برأسمالهم داخل الوطن، أم يصدرونه للخارج. تقليدياً، لم يكن للتطورات الاقتصادات الدولية، سوى تأثير محدود على اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا، لأن هذا التأثير كان يمكن تعويضه دوماً من خلال إجراءات السياسة المالية. ففي ذروة الأزمة المالية الآسيوية على سبيل المثال، نما الاقتصاد الأميركي بقوة، عندما لجأ الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض معدل الفائدة. ولكن إذا أخذنا في الحسبان أن معدلات الفائدة حالياً تدور حول الصفر في الدول الصناعية، فإننا سندرك أن هذا الخيار لم يعد متاحاً، مما يعني بالتالي أن المشاكل الاقتصادية الخارجية يرجح أن يكون لها تأثيرات مباشرة أكبر على الأداء الاقتصادي. نظراً لحجم الصين، والتقلبات المحتملة، والمساحة المحدودة المتاحة للمناورات المالية، فإن الخطر العالمي على الأداء الاقتصادي المحلي في الولايات المتحدة، وأوروبا، والعديد من دول الأسواق الناهضة كبير، ولا يقل في درجة خطورته، عن أي مرة سابقة نستطيع تذكرها. يعني هذا كله أن الوقت الحالي هو الوقت الذي يجب فيه على صناع السياسة أن يأملوا في تحقيق الأفضل، ويتحسبوا في الآن ذاته للأسوأ. لورانس سمرز ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ وزير الخزانة الأميركي الأسبق والمستشار الاقتصادي لأوباما من 2009-2010 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»