جاء تعرض مئات النساء –ألف في بعض التقديرات- لعنف جسدي، واعتداءات جنسية، خلال ليلة رأس السنة الماضية في مدينة «كولون» الألمانية، مع سرقة الهواتف المحمولة، والمجوهرات، والنقود، للكثيرات منهن، ليلقي بالضوء مرة أخرى على قضية العنف ضد النساء من المنظور الدولي الاجتماعي، وخصوصاً تأثير الثقافة ونظرة المجتمع للمرأة، على معدلات تعرضها للعنف، كون الغالبية العظمى –إن لم يكن جميع- من اعتدوا على الفتيات والنساء في تلك الليلة المشؤومة، هم من أصول عربية وشمال أفريقية، حسب روايات الضحايا وشهود العيان. وبداية، وحسب اتفاقية المجلس الأوروبي الخاصة بالوقاية من ومكافحة العنف ضد النساء، والعنف الأسري، والمعروفة باتفاقية إسطنبول، يُنظر للعنف ضد النساء على أنه انتهاك للحقوق الإنسانية، وشكل من أشكال التمييز ضد النساء، ويتضمن جميع أفعال العنف المبنية على جنس الضحية، والتي يمكن أن ينتج عنها أذى وضرر جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو مادي، بما في ذلك التهديد بالعنف، والإكراه، وسلب الحرية، سواء كانت تلك الأفعال في أماكن عامة، أو في ظروف وأماكن خاصة، وللأسف غالباً ما يبدأ العنف ضد النساء حتى قبل أن يولدن، ضمن ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث، ووأد البنات. هذه الظاهرة، والمعروفة بمأساة مئة المليون امرأة مفقودات، تشير إلى عدد الإناث الذي يعتقد أنهن أجهضن كأجنة، أو تم وأدهن كبنات، في الغالب نتيجة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، وبما أن هذا الإجهاض، وذلك الوأد، يتم لكونهن مجرد إناث، كما أن العديد من جرائم العنف ترتكب ضدهن قبل بلوغهن في السنوات الأولى من العمر، يصبح من أفضل استخدام مصطلح أو تعبير العنف ضد الإناث، بدلاً من العنف ضد النساء، حيث يوحي المصطلح الأخير أن جرائم العنف تلك ترتكب ضد من بلغن منتصف العمر وأصبحن نساء يافعات. وهو ما تدعمه حقيقة أن العنف ضد الإناث كثيراً ما يبدأ في سنوات الطفولة والمراهقة، سواء كان هذا العنف جسدياً، أو جنسياً، أو نفسياً، ويأخذ أشكالاً مختلفة، مثل زواج الصغيرات والقاصرات، والتمثيل بأعضائهن الجنسية الخارجية، أو استغلالهم في الدعارة، وانتهاك براءتهم من خلال أفلام الفيديو والصور الإباحية، وتستمر مظاهر العنف تلك ضد النساء خلال سنوات متوسط العمر، في أشكال كثيرة ومتعددة، كما أنها كثيراً أيضاً ما تستمر في خريف العمر، وحتى السنوات والعقود الأخيرة منه، مثل قتل الأرامل في بعض الثقافات، أو إجبارهن قسراً على الانتحار عند وفاة أزواجهن، بالإضافة إلى إساءة معاملة كبيرات السن والعجائز، وتعرضهن للإهمال، وللابتزاز المالي، وللضرب أحياناً، ومن الصعب هنا حصر جميع تبعات العنف الموجه ضد النساء، في ظل تعدد تداعياته الإنسانية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية. فعلى الصعيد الإنساني، نجد أن العنف ضد النساء يتسبب في فقدان عدد كبير منهن لحياتهن، وعلى الصعيد الصحي غالباً ما تنتج عن هذا العنف إصابات وإعاقات شديدة، تتطلب تدخلاً طبياً ورعاية صحية، تمتد أحياناً إلى الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية التابعة للتعرض للعنف، كما تشكل قضية الأمراض الجنسية، وخصوصاً الإيدز، والحمل غير المرغوب فيه، جزءاً لا يستهان به من التبعات الصحية الناتجة عن العنف ضد النساء. ولا تخلو منطقة من مناطق العالم، أو أياً من دوله، أو ثقافة من ثقافاته، من مظاهر العنف ضد الإناث، وإن كان الفارق يتمحور حول أشكال هذا العنف، ومداه، ومعدلاته، فبعض الدول والثقافات، نتيجة ظروف تاريخية، أو اعتقادات دينية، أو عادات شوفينية، تتميز بمعدلات أكبر بكثير من العنف ضد الإناث، مقارنة بالثقافات الأخرى. هذه النقطة بالتحديد، هي التي اعتمد عليها اليمين السياسي في ألمانيا، لمعارضة سياسة الباب المفتوح للمستشارة الألمانية «آنجيلا ميركل» تجاه اللاجئين السوريين، والعراقيين، والأفغان، وغيرهم. حيث يقدر أن ألمانيا وحدها، استقبلت 1.1 مليون لاجئ خلال عام 2015 فقط. ولن نحاول هنا أن نبرر سلوكيات، أو أن نفسر أسباب شروع المئات من الذكور العرب –من شرقه وغربه- في انتهاك كرامة المئات من الألمانيات، وأحياناً اغتصابهن بالكامل، في شكل غير مسبوق من الجحود أمام الكرم الذي قدمه هذا الشعب الأوروبي، لرجال ونساء وأطفال، من شعوب تبعد عنه آلاف الكيلومترات، وتختلف معه في اللغة والثقافة والدين، وإنْ كان من الضروري أن نتذكر أن جزءاً لا يستهان به من هؤلاء اللاجئين-المجرمين يتعرضون منذ سنوات لأهوال حرب أهلية، ونزاعات طائفية، وصراعات سياسة، لم يرتدع أطرافها عن استخدام أقصى وسائل الحرب وحشية، وهو مما لا شك قد أفقد قطاعاً كبيراً من شعوب تلك الدول لجزء لا يستهان به من إنسانيتهم، ومن آدميتهم.