منذ وقت ليس ببعيد، كان بإمكان روسيا أن تثني أوكرانيا عن إرادتها من خلال التهديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي. والآن، تقدم روسيا تخفيضات، لكن أوكرانيا ليست مهتمة، لأنها تحصل على الغاز بوفرة من أوروبا. ويعكس هذا التغيير تطورات في سوق الغاز الأوروبي لا تبشر بالخير بالنسبة لواحد من أهم عائدات التصدير بالنسبة لروسيا. والتراجع في واردات أوكرانيا من الغاز الروسي هو في جزء منه نتيجة للركود الاقتصادي في عهد الرئيس السابق «فيكتور يانوكوفيتش»، والانخفاض الكبير في الإنتاج عقب قيام «ثورة الكرامة» عام 2014 وضم روسيا للقرم. وقد تقلص إجمالي الناتج المحلي لأوكرانيا بنحو 19% منذ 2013، وأصبح قطاعها الصناعي بحاجة لكميات أقل من الوقود. ورغم ذلك، فهذا ليس هو أهم سبب لتراجع الواردات الأوكرانية. فالحكومة عازمة على إنهاء اعتمادها على روسيا، حيث تعد الدولتان في حالة حرب شبه رسمية. كما هدد الروس، أكثر من مرة، بوقف الامدادات أو رفع الأسعار، وأجبر اقتراب الشتاء الحكومة الأوكرانية على قبول تنازلات سياسية أبطأت من انجراف البلاد نحو الاتحاد الأوروبي. ورداً على ذلك، سعت أوكرانيا إلى نقض الإمدادات من سلوفاكيا في عام 2014. وكان هذا عاماً جيداً للتجربة: فشتاء 2014 كان دافئا في أوروبا، وكانت هناك وفرة من الغاز. وفي سلوفاكيا، كان الغاز روسيا، ويتم توصيله عن طريق شركة غازبروم المملوكة للدولة من خلال نظام خطوط الأنابيب الأوكراني. وحاولت غازبروم منع إعادة البيع، ولكن تلك الشروط كانت تنتهك القوانين الأوروبية. وفي أبريل 2015، استشهدت المفوضية الأوروبية بهذه الشروط كمثال لسوء استخدام غازبروم لهيمنتها في أسواق الغاز بشرق ووسط أوروبا. وليس بوسع غازبروم، التي تحاول أن تتجنب غرامات باهظة والتوصل إلى تسوية مع المفوضية، أن تفعل شيئا لمنع عملائها من إمداد أوكرانيا. وتقوم أوروبا بتنويع امدادات الغاز للعديد من نفس الأسباب مثل أوكرانيا- لحرمان روسيا من سلاح الطاقة وللإبقاء على الأسعار منخفضة- وفي الربع الثالث من 2015– وفقاً لأحدث تقرير للمفوضية الأوروبية عن سوق الغاز- زادت واردات الاتحاد الأوروبي من روسيا بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق. وزادت الإمدادات من النرويج والجزائر بنسبة 26 و35%، على التوالي. ومع ذلك، لا تزال روسيا هي أكبر مورد للغاز في أوروبا، لكن احتكار روسيا لسوق الطاقة في شرق أوروبا في طريقه للزوال، حيث فتح عملاؤها السابقون محطات للغاز الطبيعي المسال، ليتوانيا مثلاً قامت ببناء محطة، وأبرمت اتفاقاً لاستيراد الغاز من الولايات المتحدة، حيث تقل الأسعار عن أسعار أوروبا بنحو النصف. وهذا من شأنه أن يخفض أسعار الغاز قريبا هناك من 263 دولار لكل ألف متر مكعب، وهو أعلى مستوى في أوروبا. وبفضل الغاز الطبيعي المسال، وتزايد الإمدادات من النرويج وشمال أفريقيا وإجراءات مكافحة الاحتكار ضد شركة «غازبروم»، أصبح الاتحاد الأوروبي يتمتع بحماية أكبر ضد التلاعب في الأسعار مقارنة بما كان عليه قبل عامين. ولا تستطيع الشركة الروسية محاولة التلاعب بالامدادات إلى أوروبا خوفاً من فقد حصتها في السوق، والتي توفر 52% من عائداتها. وهذا التهديد هو الأكثر قوة مع انخفاض استهلاك أوروبا من الغاز، وذلك بفضل التقدم في مجال الطاقة المستدامة. غاز بروم فقدت الكثير من نفوذها في أوروبا، وأصبحت أوكرانيا بوسعها أن تكون قتالية. ويوم الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء «أرسيني ياتسينيوك» إن حكومته لن تشتري الغاز الروسي بسعر 212 دولار لكل ألف متر مكعب، لأن الإمدادات من أوروبا متاحة بسعر 200 دولار. كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»