نشرت صحيفة محلية واقعة توجّه فيها مأمور المحكمة لتنفيذ قرار إخلاء مسكن، وفوجئ بأن قاطنته امرأة مسنّة مكفوفة، وأنها تطلب منه أداء عمله ووضع كرسي في الشارع لتجلس عليه، لكن الموظف أوقف مأموريته، وتواصل مع المحكمة التي أجرت تسوية بين الأم المسنّة وأولادها، بعد أن تبيّن أنهم أصحاب دعوى الإخلاء. وحسب مجموعة تقارير محلية ودولية نشرت في صحف الإمارات في السنوات الأخيرة، يبلغ متوسط العمر في الإمارات 77,6 سنة، وهو مرشح للارتفاع في ظل التقدم الطبي والصحي، وتبلغ نسبة كبار السن (فوق 60 سنة) 4,1% من إجمالي سكان الدولة، وسترتفع إلى 11% عام 2030، أي بعد 14 سنة فقط. وفي ظلّ التحوّلات التي تطرأ على إنسان العصر وتركيز اهتمامه على نفسه، إلى درجة أن شخصاً التقط صورة لنفسه أمام والده الذي كان يحتضر، والإيقاع السريع للحياة وزيادة مشاغل الإنسان، سواء الجاد الذي يكافح أغلب الوقت من أجل تحقيق طموحاته التي لا تنتهي أو الفارغ المتلهي بكل ما هو جديد، وظهور مفهوم الأسرة الصغيرة على حساب العائلة الممتدة، حتى صارت عائلة الإنسان زوجته وأولاده فقط، كأنه خُلق من غير أبٍ وأم، واندثار مفهوم «الفريج» الذي كان سكّان الحي الواحد يشعرون فيه بأنهم من أسرة واحدة، حتى لم يعد المرء اليوم يعرف الاسم الأول لجاره، فإن تلك الأرقام والنسب تثير المخاوف من نشوء ظواهر سلبية في المجتمع، يكون كبار السن هم ضحاياها. فنسبة هؤلاء ترتفع من جهة، وإهمال وجودهم ينتشر من جهة أخرى. ورغم أن الدولة تقوم الآن بأدوار كبيرة ومهمة حيال المسنين، فإنه لا بد من مساهمة أفراد أسرة المسنّ في حمايته ورعايته والاهتمام به، على الأقل بعدم معاملته كأنه قطعة أثاث قديمة، وتركه يواجه الحياة بضعفه وقلة حيلته إلى درجة طرده من البيت ليجلس على كرسي في الشارع(!).. وذلك من خلال قانون خاص ومتكامل يحمي ويرعى كبار السن من جهة، ويعاقب على إهمالهم من جهة أخرى. فمن الناحية التشريعية، لدينا قوانين للتقاعد وللضمان الاجتماعي ولدور المسنين، لكن ليس ثمة قانون يختص بكبار السن، يلزم أفراد أسرهم بمسؤوليات معينة، يتعرضون للعقوبة في حال إهمالها، وذلك تحت عين وبصر جهات رسمية تتحقق من التزامهم ذلك، وكل ما لدينا نص في قانون الأحوال الشخصية ينظم مسألة الإنفاق على الوالدين إذا لم يكن لهما مال، ونص في قانون العقوبات يعاقب من يحرم بشكل عمدي شخصاً عاجزاً من التغذية أو العناية التي تقتضيها حالته متى كان الفاعل ملتزماً شرعاً بتقديمها، وهذا النص لا يعاقب إلا إذا كان الفاعل ملتزماً شرعاً بالتغذية أو العناية، وليس هناك قانون يلزم الأولاد بتغذية أو العناية بوالديهم أو أقربائهم المسنين، كما أنها تشترط أن يكون فعل الحرمان بشكل متعمد، هذا فضلاً على أن النص يتحدث عن العاجز، وليس عن كبير السن الذي قد لا يكون عاجزاً، لكنه مهمل ولا أحد يبالي بوجوده.