لإيران سجل عريق وغير مشرِّف، حافل بالاعتداءات على البعثات الدبلوماسية والسفارات الأجنبية وملحقياتها واحتجاز الدبلوماسيين بهدف المساومة السياسية والابتزاز المالي. وعلى امتداد 37 سنة، هي عمر «الثورة الإسلامية» الإيرانية، اعتادت السلطات الإيرانية في كل أزمة مع دولة على حشد وإثارة الغوغاء للهجوم والاعتداء على السفارات والبعثات الأجنبية، بحيث أصبحت هذه الممارسات العدوانية المستهجنة والمستنكرة من قبل العالم المتحضر، أسلوباً مفضلاً ومعتاداً لدى النظام الإيراني، وعملاً من أعمال البطولة الممجدة -طبقاً لأمير طاهري- وتعبيراً عن انتقام النظام من الدولة المستهدفة، بل أصبح جزءاً من طبيعة النظام السياسي العقائدي لدولة ولاية الفقيه. ففي كل مرة تختلف فيها إيران مع دولة تعمد إلى حرق سفارتها وعلمها، وتاريخها في هذا المجال هو الأسوأ عالمياً، طبقاً لعبد الرحمن الراشد الذي يضيف، بأن للسعوديين ذكرى سيئة مع إيران، فقبل أربع سنوات اغتال أحد رجال إيران دبلوماسياً سعودياً في كراتشي، ودبرت إحدى الجهات التابعة لها تفجير قنبلة في السفارة السعودية ببيروت، ووزير الخارجية عادل الجبير نفسه تعرّض لمؤامرة اغتيال عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن، والسفير السعودي السابق في بيروت عبد العزيز خوجة تعرّض لتهديدات اضطرته لمغادرة لبنان، كما تعرَّض أكثر من موظف ودبلوماسي سعودي للاعتداء في إيران.. لذلك عندما يبدي مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة أسفه، ويتعهد بعدم تكرار مثل هذه الاعتداءات على السفارات، ويحاول تحميل مشاغبين جناة المسؤولية، متعهداً بمحاكمتهم، فهذا أسف غير مقبول، وتعهد لا وزن له ولا قيمة، وتنصل من المسؤولية مكشوف، لأن استهداف السفارات، وكما أسلفت، جزء من طبيعة النظام العقائدي الرسمي، والذي لا يمكن لنظام ولاية الفقيه أن يتخلى عنه، باعتباره عملاً من أعمال البطولة والفخر ضد من تعتبره إيران عدواً لها. ولهذا عبّر ممثل المرشد الإيراني في مشهد بقوله: وجود سفارات عربية في إيران «وصمة عار»، مؤيداً الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. لذلك فإني أحيي موقف المملكة العربية السعودية في رفضها للتأسف الإيراني الأجوف، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير الذي صرّح بأنه يريد أفعالاً من إيران لا أقوالا. كما أكد عبدالله المعلمي، مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، أن عودة العلاقات مع طهران مرهونة بتصرفاتها، وأن رسالة الاعتذار «لا تعني لنا شيئاً». إن العدوان على السفارات والبعثات الأجنبية واغتيال الدبلوماسيين الأجانب أو احتجازهم، يعد جزءاً من الثقافة السياسية لنظام ولاية الفقيه على مدار أربعة عقود جرى خلالها استهداف 17 سفارة أجنبية، سواء بالهجوم أو السرقة ونهب المحتويات، أو الحرق والتدمير. دعونا نتساءل: في كل تاريخ هذه الهجمات، لم تعتذر إيران مطلقاً، فلماذا اعتذرت هذه المرة؟! ولماذا تراجعت وبدأت تغير لهجتها؟! لماذا تغير الإعلام الإيراني الرسمي الذي كان يشيد بالعدوان إلى وصفه بأنه أخطاء وممارسات عملاء؟! لماذا تبدو إيران وكأنها تتوسل طلباً لوساطة الأمم المتحدة و«التعاون الإسلامي» والدول الكبرى، للتهدئة؟! إن مرد ذلك نجاح الديبلوماسية السعودية في حشد تأييد عالمي إلى صفها، ومحاصرة إيران وعزلها. فلأول مرة تجد طهران إدانة عالمية لأسلوبها غير المتحضر، حتى حليفتها روسيا أدانت ذلك الفعل، وكذلك بعض أصدقائها وحلفائها في المنطقة -إذا استثنينا «نصر الله»- لم يستطيعوا أن يدافعوا عنها. لقد ارتبكت إيران ووجدت نفسها في ورطة وعزلة دولية، ولم تجد مخرجاً إلا التراجع والتأسف! والآن: ما دلالة كل ذلك؟ دلالته، أن إيران لا تستجيب ولا ترضخ إلا تحت الضغوط، إيران لا تعرف لغة الحوار وحسن الجوار ولا تحترم إلا الأقوياء، إيران لم توقع الاتفاق النووي إلا بضغط العقوبات والحصار الدولي، هذه هي اللغة الوحيدة التي تعرفها إيران لأن هذا هو طبيعة هذا النظام العقائدي. هذه هي أهم الدروس المستفادة.