ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الأربعاء الماضي خطاباً أمام حشد فلسطيني في بيت لحم لمناسبة عيد الميلاد لدى الطوائف المسيحية الشرقية تضمن تعليقاً على تقارير كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تناقلتها مؤخراً؛ مفادها أن حكومة تل أبيب تعمل على وضع خطة طوارئ في حال انهيار السلطة الفلسطينية، وعلق عباس على التقارير السابقة بقوله: إن «السلطة إنجاز من إنجازات شعبنا لن نتخلى عنه، وعليهم ألا يحلموا بانهيارها»، ومن حق الرئيس الفلسطيني أن يتمسك بالسلطة الفلسطينية، ومن حق كل فلسطيني وعربي في الوقت نفسه أن يقيم مسيرة هذه السلطة ويستشرف مستقبلها، وقد نشأت هذه السلطة كما هو معلوم كإحدى نتائج اتفاقية أوسلو 1993، والتي وضعت خطة لتسوية القضية الفلسطينية كان من المفروض أن ينتهى تنفيذها بعد خمس سنوات من تاريخ بدء نفاذها أي في 1999، وتضمنت إنشاء سلطة فلسطينية لتدير مناطق الحكم الذاتي بعد إعادة انتشار القوات الإسرائيلية، وتدير كذلك مفاوضات التسوية النهائية، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقيم السلطة الفلسطينية. وإذا بدأنا بالمهمة الأولى والأهم وهي إدارة مفاوضات التسوية النهائية سنجد أن السلطة دخلت في مفاوضات متقطعة لمدة تربو حتى الآن على العشرين سنة دون جدوى، ولا شك أن المسؤولية في هذا الصدد تقع على عاتق السياسة الإسرائيلية التوسعية التي تتناقض رؤيتها مع أي حل عادل للقضية الفلسطينية تناقضاً تاماً بحيث لا تترك مجالاً لأكثر الفلسطينيين اعتدالاً للقبول بالأطروحات الإسرائيلية ناهيك عن السياسة الاستيطانية المتوحشة التي تعصف بأسس القانون الدولي، والأهم أنها تجعل التفاوض أصلاً غير ذي موضوع طالما أن الاستيطان يلتهم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وسط عجز فلسطيني وعربي ودولي عن إيقافه. ومن ناحية ثانية، فإن السياسة الإسرائيلية قد كشفت خواء فكرة السلطة الفلسطينية ذاتها، فهي تقتحم أراضي الحكم الذاتي في أي وقت تشاء فتقتل وتعتقل، وتمنع الضرائب والرسوم المستحقة للسلطة وقتما تشاء كنوع من فرض العقوبات عليها، وهكذا فإن السلطة الفلسطينية باتت عاجزة سواء عن الوصول بمفاوضات التسوية إلى غايتها أو حتى مجرد تحريكها إلى الأمام بعيداً عن نقطة الصفر أو عن حماية أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون على أراضي الحكم الذاتي وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم، ولذلك فإن المنطق يقتضي ضرورة التفكير في مخرج من هذا العقم المستحكم. ولقد أتى عليّ وقت تحمست فيه لفكرة أن تحل السلطة نفسها، فما جدوى بقائها اللهم حفظ ماء الوجه لكل الأطراف وأولهم إسرائيل بأن الأمور تسير في طريق التسوية، وبالتالي لا حاجة بنا إلى التفكير في تغيير النهج المتبع، والذي يتيح لإسرائيل التمتع بتنفيذ مشروعها لالتهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية دون أدنى إزعاج، ولو حُلت السلطة، فإن الستار الذي يخفي إسرائيل كقوة احتلال سيُرفع ولتتحمل كل مسؤولياتها بهذه الصفة أمام العالم كله، وأدري بطبيعة الحال صعوبة بديل حل السلطة معنوياً، فقد كانت ترمز إلى الأمل في التطور إلى حالة الدولة فضلاً عن المصالح الذاتية التي تراكمت حولها، والتي تعني أن هناك من سيدافعون عن بقاء السلطة لمجرد الحفاظ على مصالحهم الشخصية، وإذا كان بديل حل السلطة معيباً في نظر البعض، فإن الحال لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه، وإذا كانت السلطة لا ترضى بغير الحلول السلمية بديلاً فإن فقه مقاومة الاستعمار والاحتلال يتسع للنضال المدني بشتى أشكاله، وقد تمت تصفية النظام العنصري في جنوب إفريقيا بنضال مدني في التحليل الأخير، وإذا لم تكن السلطة قادرة على حفز هذا النضال ورعايته، فإنها تخاطر بتقويض شرعيتها، فقد فَقَدَ الشعب الفلسطيني وبالذات شبابه الأمل في جدوى النهج التفاوضي الراهن، ولعل ما يحدث في القدس الشرقية والضفة الغربية على أيدي شبابها منذ شهور خير دليل على ذلك، ولذلك فإن نتنياهو «لا يحلم» بانهيار السلطة ولكنه كرئيس وزراء مسؤول يخشى بالفعل انهيارها بفعل الغضب الشعبي، وبالتالي فإن «الاعتزاز» بالسلطة الفلسطينية يجب أن يترجم إلى أفعال تعيد الفعالية إليها، وتحيي الأمل في تحقيق تقدم نحو استعادة الحد الأدنى من حقوق شعب فلسطين. أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة