في سياق الجدل الذي خلفه اتفاق فيينا بين إيران والمجموعة الدولية، كتب الباحث السياسي الأميركي من أصل إيراني «والي نصر» (مؤلف كتاب الأحياء الشيعي) في صحيفة «نيويورك تايمز» 14 أبريل 2015 معلقاً على أثر الاتفاق المتوقع أوانها على العالم العربي بأن الدول العربية المحورية، وفي مقدمتها السعودية بجب أن ترى في الاتفاق فرصة تاريخية لصد الخطر الإيراني، بدلا أن ترى فيه تهديداً لمصالحها وأمنها الحيوي. الأطروحة التي ينطلق منها «نصر» هي أن العالم العربي الذي عرف انفجار مركزه في الشرق الأوسط يحتاج لعقد كامل للتفرغ للمشكل الجوهري المطروح عليه راهناً، وهو امتصاص صدمة التحول السياسي (تحدي التعددية) في دول هشة تعيش منعرج التحلل والفتن الأهلية ذات المنحى الطائفي. وبالنسبة لـ«نصر» كلما تفاقم الصراع الأهلي ازدادت حاجة الشيعة العرب إلى الحماية الإيرانية، وهي المعادلة التي تستغلها حكومة طهران في اختراق العالم العربي والتمدد في مجاله الحيوي، من خلال استراتيجية محدودة التكلفة تقوم على بناء شبكة ولاء من المحاربين غير التقليديين والمليشيات الأيديولوجية المسلحة تضمن لها شن حروب متزامنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ومن هنا يخلص «نصر» إلى أن إخضاع القدرات النووية الإيرانية للمتابعة مقابل السماح لإيران بتطبيع وضعها الدولي، سيمنح العرب الوقت الكافي للملمة جراحهم وإصلاح أوضاعهم السياسية، وتوطيد قدراتهم الاقتصادية والتنموية في الوقت الذي ستدخل إيران في مسار مماثل للمسار السوفييتي، أي دفع ثمن الاتفاق اللامحدود على السلاح مع التعثر في المجهود التنموي، الذي يفضي إلى انهيار عناصر القوة الاستراتيجية. «نصر» كتب قبل ثلاث سنوات كتاباً نقدياً حاداً للسياسة الخارجية للرئيس «أوباما» بعنوان «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها»، اعتبر أن الأزمة الأخيرة التي تعرفها العلاقات الإيرانية- العربية تجسد انحسار الأهمية الاستراتيجية للعالم العربي، الذي أصبح رهاناً لصراع إقليمي تركي - إيراني في ظل تآكل الدور الأميركي التقليدي. والحال أن «نصر» وغيره من أفراد اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة لم يفتأوا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 يكررون أطروحة مفادها، أن سياسة احتواء إيران التي تعود لبداية الثورة الخمينية (1979) فشلت في تغيير طبيعة النظام السياسي، وأفقدت أميركا أوراقاً استراتيجية مهمة في منطقة لم يعد بالإمكان الاعتماد فيها على محور الاعتدال العربي في مواجهة مخاطر الإرهاب الذي يتركز في «الإسلام السني». وفق هذه النظرية، يتعين رفع العقوبات عن إيران وتطبيع وضعها الدولي بما يضمن نتيجتين مترابطتين: حمل النظام على التغيير لدوافع براجماتية تفضي تدريجياً إلى انقلاب كلي في النهج والتوجه، ووضع المشروع النووي الإيراني تحت الرقابة، بما يعني عملياً منع إيران من إنتاج السلاح النووي. من الجلي أن السياسات العدوانية الإيرانية الجديدة تجاه السعودية والعرب هي حصيلة التقاء ثغرات وأخطاء السياسات الأميركية في المنطقة بالتوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الإيرانية القائمة على الاستفادة من أزمات النظام العربي لاختراق مجاله الحيوي وإحداث فراغ استراتيجي يفضي إلى إعادة قولبة جغرافيته السياسية وهويته القومية. ومن هنا المسؤولية الكبرى المطروحة اليوم على الأطراف الفاعلة في النظام الإقليمي العربي في مواجهة إحدى أخطر التحديات التي مر بها العرب في تاريخهم المعاصر. وإذا كان الإجماع العربي شبه قائم على مساندة السعودية في ردها الحازم على العدوان الإيراني، إلا أن المطلوب في ما وراء هذا التضامن الطبيعي، هو السعي لاستعادة العرب زمام المبادرة الاستراتيجية في ترتيب وإدارة نظامهم الإقليمي.