لا حلول وسط، ولا مواقف مبهمة، ولايمكن إمساك العصا من الوسط. هذا ما يُنتظر من اجتماع وزراء الخارجية العرب، فقد خرج اجتماع مجلس وزراء الدول الخليجية برؤية مشتركة حيال ما أسماه «الاعتداءات الإيرانية» على المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، وأكد عبداللطيف بن راشد الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي اتفاق الدول الخليجية على وضع آلية لمواجهة «التدخلات الإيرانية». تتزايد احتمالات التشدد السعودي – الخليجي في ظل محاولات التهدئة العربية والدولية، إذ عرضت بغداد الوساطة بين طهران والرياض بعد أن كانت الرياض قد أعادت فتح سفارتها في بغداد في 15 ديسمبر الماضي، بعد 25 عاماً من إغلاقها، إثر الغزو العراقي للكويت عام 1990. وفي الوقت ذاته عرضت موسكو استعدادها للعب دور الوساطة بين طهران والرياض، والتساؤل المطروح اليوم هل يمكن احتواء الأزمة المتصاعدة؟ لقد تمكنت السعودية من تحقيق هدفين، داخلي وخارجي، بعد أن نفذت أحكام الإعدام في حق 47 شخصاً، من بينهم رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، فداخلياً كانت الرسالة واضحة، بأن الحكومة السعودية لن تتهاون مع الإرهاب من أي طرف كان. وخارجياً، كانت الرسالة أوضح بعد رفض الاستجابة للمناشدات الإيرانية المتكررة، بعد أن حملت طهران لواء الدفاع عن «النمر»، وأسقطت الرهانات الإيرانية على استخدام ورقة «النمر» في الضغط على الحكومة السعودية، ونجحت السعودية في استدراج الإيرانيين وأذنابهم في المنطقة إلى رد فعل عنيف، وإلى خطأ استراتيجي باقتحام المتظاهرين مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية، وإطلاق لهجة التهديد والتصعيد التي تحدث بها المسؤولون الإيرانيون والإعلام الإيراني ضد المملكة العربية السعودية، فكان أن نجحت السعودية بامتياز في حشد الدول الخليجية والعربية للاصطفاف معها ضد التدخلات الفارسية في الشؤون العربية، وفتحت مع قضية «النمر» معارك التدخلات الإيرانية الإقليمية كافة في المنطقة العربية. لقد أرسل إعدام «النمر» رسالة واضحة للحكومة الإيرانية، مفادها: إذا كان، ولابد من المواجهة المباشرة بعيداً عن ساحات الحرب بالوكالة في العراق وسوريا واليمن، فلتكن الآن، ومع بداية العام الجديد، وقبل دخول الاتفاق النووي مع إيران حيز النفاذ. استغلت طهران «الربيع العربي» لدعم المشروع الفارسي في المنطقة، فدعمت «الإخوان» في مصر لتفتيت المشروع القومي العربي والقضاء على النظام العربي القائم، وحسناً فعلت الدول الخليجية بمحاصرة تحالف «الإخوان – طهران» في المنطقة، خاصة وأن المشروع الإيراني أوضح ما يكون. والخطاب الإعلامي الإيراني صريح في تحديد الأهداف في المنطقة من دون مواربة بعد الحديث عن سقوط رابع عاصمة عربية (صنعاء بعد بيروت ودمشق وبغداد)، والتدخلات الفاحشة في الشأن البحريني، ما جعل من ساحات الدول العربية حلبة لحرب إيران الطائفية. إن التدخل الإيراني بالشأن السعودي، والاعتداء على البعثات الدبلوماسية يجب أن يُنظر إليه عربياً على أنه نمط في السياسة الإيرانية لايمكن عزله أو اعتباره حالة استثنائية أو لوثة عاطفية أصابت الجموع المتظاهرة أمام السفارة السعودية، لتعتذر بعدها طهران، وتحاول لملمة الخزي الدبلوماسي أمام مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة. في المحصلة ليست السعودية وحدها المستهدفة، ولا يمكن حصر النقاش في استهداف الغوغاء للبعثات السعودية أو الحملات الإعلامية المنظمة، بل بفتح الملفات كافة، وتسمية التدخلات الإيرانية في المنطقة. لقد فتح الاتفاق النووي الإيراني الأبواب أمام إيران لتمارس سياسات الغطرسة في المنطقة، فإذا كانت السياسة الإيرانية قد نجحت في استدراج الغرب للتوقيع على الاتفاق النووي، فعلى الدول العربية الآن أن تعي الانعكاسات المباشرة لهذا الاتفاق على الدول العربية، وليس الخليجية فقط. ويُنتظر من اجتماع خارجية الدول العربية الكثير.. باختصار يُنتظر موقف واضح وصريح.