منذ فترة والأطباء في حيرة من أمرهم أمام تفسير ظاهرة تزايد معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، في ظل الإحصائيات التي تظهر أن هذه الطائفة من الأمراض أصبحت تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات والإعاقات بين أفراد الجنس البشري، حيث يصاب سنوياً 14 مليون شخص بنوع أو آخر من أنواع الأمراض السرطانية، يلقى 8.2 مليون منهم حتفهم، حسب إحصائيات عام 2012. ومما يزيد الموقف سوءاً، التوقعات بأن عدد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، سيرتفع بنسبة 70 في المئة خلال العقدين المقبلين، من 14 مليون حالة إصابة إلى 22 مليون حالة إصابة سنوية. وأمام هذا المد السرطاني، يطرح أفراد الطاقم الطبي، من أطباء وعلماء، تفسيرات عدة. منها أن تحسن وسائل التشخيص، والارتفاع الملحوظ في مستوى الرعاية الصحية المتوفرة للعديد من المجتمعات والشعوب خلال العقود القليلة الماضية، مكن الأطباء من تشخيص حالات كثيرة من الإصابة بالأمراض السرطانية، كانت سابقاً تلقى حتفها دون أن يكون هناك تشخيص محدد، أو سبب واضح للوفاة، بمعنى أن هذه الزيادة نسبية، مرتبطة بتحسن وسائل التشخيص، ولا تمثل زيادة حقيقية فعلية. التفسير الآخر، يرتكز على الزيادة الحاصلة والهائلة في متوسط أو مؤمل حياة أفراد الجنس البشري منذ بداية القرن العشرين، ضمن الظاهرة المعروفة بتشيخ المجتمعات. والمعروف والثابت أن احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمر، بمعنى أنه كلما زاد عمر الشخص زادت احتمالات الإصابة بالسرطان، في علاقة خطية متزايدة. التفسير الثالث، يأخذ في الاعتبار زيادة التلوث البيئي حول أماكن معيشة المجتمعات البشرية الحالية، وخصوصاً تلوث الهواء، ومصادر مياه الشرب، بالإضافة إلى التلوث الهرموني الناتج عن فرط استخدام الهرمونات في تربية الماشية والدواجن، والتلوث الكيميائي الناتج عن فرط استخدام المبيدات الحشرية في الزراعة، والمواد الحافظة في المراحل المختلفة لإنتاج وحفظ وتصنيع الغذاء. ومؤخراً، أضيف إلى التفسيرات السابقة عامل آخر بالغ الأهمية في زيادة احتمالات الإصابة بالسرطان، ألا وهو السمنة. وهو التفسير الذي أكده بداية هذا الأسبوع تقرير صدر عن جهة علمية بريطانية متخصصة في الأمراض السرطانية (Cancer Research UK)، وبالتعاون مع منتدى الصحة البريطاني (UK Health Forum). حيث حذر التقرير من أن زيادة الوزن ومعدلات السمنة، سيرتبطان بحوالي 670 ألف حالة إصابة بالسرطان بين البريطانيين، خلال العشرين عاماً المقبلة. وذلك في ظل الاتجاه الحالي لزيادة الوزن، والتي إن استمرت على ما هي عليه حاليا، فيُتوقع أنه بحلول عام 2035، ستصيب السمنة ثلاثة من كل أربعة أشخاص في بريطانيا، وهو ما يتطابق مع الوضع العالمي، حيث يقدر أن 1.9 مليار شخص بالغ مصابون حالياً بزيادة الوزن، منهم 600 مليون مصابون بالسمنة المفرطة. ويطرح العلماء عدة نظريات لتفسير هذا التحالف غير المقدس بين زيادة الوزن والسمنة، وبين الأمراض السرطانية. أولى هذه النظريات، يتمحور حول فكرة أن الأنسجة الدهنية تفرز كميات كبيرة من هرمونات معينة، تُخل من النمو الطبيعي وتكاثر الخلايا في الجسم. والمعروف أن الأمراض السرطانية في أبسط تعريفاتها، هي اختلال في نمو الخلايا الطبيعية، يؤدي إلى تكاثرها بشكل هائل، مما يسبب اضطرابات تشريحية ووظيفية في الجسم، تؤدي إلى الوفاة. النظرية الثانية في تفسير العلاقة بين السمنة والأمراض السرطانية، تتمحور حول فكرة أن السمنة ربما تؤدي إلى حدوث التهاب في الأنسجة، والتي يدفع بالخلايا الموجودة في تلك الأنسجة إلى التحول لخلايا سرطانية. أما النظرية الثالثة، فتتمحور حول فكرة أن الدهون المخزنة بكميات كبيرة في الأشخاص زائدي الوزن والسمان، تؤثر سلبياً على عمل البروتينات المنوطة بالتحكم في نمو الخلايا، ومنع تحولها إلى خلايا سرطانية. وبغض النظر عن الميكانيزم الفعلي الذي تؤدي من خلاله زيادة الوزن والسمنة إلى زيادة احتمال الإصابة بالأمراض السرطانية، نجد أنها جميعاً تدور حول فكرة أساسية، هو أن كثرة وفرط الخلايا والأنسجة الدهنية، المصاحبة لزيادة الوزن والسمنة، تؤثر سلباً على باقي خلايا الجسم، وعلى معدلات نموها وتكاثرها، سواء كان ذلك عن طريق زيادة في هرمونات معينة، أو من خلال خلق حالة من الالتهاب، أو عبر تعطيل عمل بعض البروتينات، مما يؤدي في النهاية إلى تحول تلك الخلايا إلى خلايا سرطانية، كثيراً ما تودى بحياة الشخص زائد الوزن أو السمين. ولذا، مثله مثل الامتناع عن التدخين، يصبح الحفاظ على وزن مثالي، من خلال الغذاء الصحي المتوازن، وممارسة الرياضة والنشاط البدني بشكل روتيني، أحد أهم الإجراءات الفاعلة في الوقاية من الأمراض السرطانية.