في كتابه «عن الحرب والديمقراطية» يتناول كريستوفر كوتز، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب «التعقيد: الأخلاقيات والقانون من أجل عصر جماعي»، السؤال المتعلق بالكيفية التي يجب أن نفكر بها في شأن القيود والنواهي الأخلاقية المتعلقة بالحرب، أو بمعنى آخر متى وكيف يمكن شن الحروب من منظور الالتزام بالديمقراطية السياسية؟ المؤلف يرى أن هذا السؤال، خصوصاً في الظروف الحالية التي يمر بها العالم، يعد سؤالاً ملحاً لسببين: أن قوانين وأخلاقيات الحرب قد تكونت عبر القرون، كنتيجة لتراكم طائفة من القيم البعيدة غالباً عن الديمقراطية، مثل مفاهيم السيادة المطلقة للدولة، وقيم الفروسية في العصور الوسطى، واللجوء للحرب كوسيلة لحل النزاعات الدبلوماسية، والمصالح الوطنية غير المقيدة، والمشاغل الإنسانية العامة، وغيرها من المفاهيم والقيم التي لا ترتبط بجوهر الديمقراطية مباشرة. ويتضمن الكتاب فحصاً دقيقاً للمسوغات الأخلاقية التي تستدعيها الدول الديمقراطية لشن الحروب، ويرى مؤلفه أن المبادئ الديمقراطية قد تتحول إلى بيئة شديدة الخطر على مشروع «الحد من عنف الحرب»، إذ قد تؤدي للإضرار بهذا المشروع رغم أنه يفترض من حيث المبدأ أنها تؤدي لدعمه وترسيخه. ويمكن لهذه البيئة الخطرة أن تنتج منظومة للقيود يمكن تصنيفها كمنظومة غير أخلاقية نسبياً، لأنها تطبق على جميع الدول المتحاربة على قدم المساواة، أن هناك اعتبارات أو قيود تنطبق على الأطراف الأقوى في الحرب ولا تنطبق على الأطراف الأضعف، وعند مساواة الطرفين بشأنها ينتج عن ذلك ظلم بين لطرف مقابل الطرف الآخر. ويشرح المؤلف كيف أن القيم الديمقراطية إذا ما تم فهمها بشكل غير صحيح، يمكن أن تقوض هدف «الحد من الحرب»، ويحاول مساعدة قرائه على أن يفهموا لماذا نميل للاعتقاد بأن العنف الجماعي باسم السياسة، يمكن اعتباره مشروعاً بينما لا نميل للنظر إلى العنف الفردي من نفس الزاوية؟ وبذلك يقدم المؤلف سردية جديدة وشيقة عن الطريقة التي تعمل بها المنظومة الديمقراطية، التي تقر بالحاجة للدفاع عن الوطن، والترويج للحرية في الخارج، مع العمل في الآن ذاته على الحد من إغراءات التدخل العسكري. ويبين كوتز أن الفكر المعاصر، والبلاغة السياسية التي تتعامل مع القيم الديمقراطية، قد أديا إلى خلخلة شبه الإجماع السائد الذي يدعم أخلاقيات الحرب معنوياً، ويعيد فرض الطابع الأخلاقي للحرب، كأداة تستخدمها قوى الخير لمكافحة الشر. ويذهب المؤلف إلى أن الأسئلة المتعلقة بالقيود الخاصة بالوسائل المتبعة في الحرب، والغايات المتوخاة منها، تحتاج إلى إجابات تنبع من القيم الداخلية للأفراد والدول، لا من اعتبارات التهديد المتبادل فحسب. كما يسعى الكتاب لمعالجة طائفة متنوعة من الأسئلة عن الكيفية التي تسعى بها الديمقراطيات لتحقيق مصالحها عبر العنف، ويتناول في هذا الإطار موضوعات تتراوح بين التعذيب، ومعاملة المقاتلين غير النظاميين، وحرب الطائرات بدون طيار، والتدخل الإنساني، والظروف السائدة عقب الحرب، وحقوق الثائرين، والتعويضات. ويمكن القول في الأخير إن الكتاب عبارة عن توليفة محكمة من الجدال الفلسفي والقانوني والسياسي، بشأن طائفة من الموضوعات المعاصرة المصيرية وشديدة الأهمية، وأنه في حين تنظر الفلسفة الأخلاقية لتلك الموضوعات بمعزل عن سياقها السياسي، فإن كوتز يتناولها من خلال علاقتها بالديمقراطية وقيمها، مما يجعل من كتابه مرجعاً مهما لمن يروم التزود بالمزيد من المعلومات عن موضوع الديمقراطية والحرب، والعلاقة بينهما. سعيد كامل الكتاب: عن الديمقراطية والحرب المؤلف: كريستوفر كوتز الناشر: برينستون يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2016