استخدم اليونانيون القدماء كلمة «كبرياء» لوصف جانب خاص من الضعف البشري، وهو الاعتقاد المتغطرس بأن الإنسان قادر على تحدي السنن الكونية، لكنه في كل مرة يواجه عواقب وخيمة جراء هذا التحدي. وفي كتابه الجديد «الكبرياء: مأساة الحرب في القرن العشرين»، يستخدم المؤلف «ألياستر هورن» هذه الفكرة في تسليط الضوء على تاريخ الحرب خلال النصف الأول من القرن الماضي، بقدر كبير من البساطة والعمق. واختار «هورن» هذه الفترة ليس لأن كتابه محدد بفترة تاريخية، ولكن لأنها كانت الفترة الأكثر دموية في التاريخ البشري، بسبب ما يعتقد المؤلف أنه «طموحات متكبرة من جانب أو آخر». ويكتب المؤلف عن الحروب المعاصرة منذ أكثر من نصف قرن، حيث أصبح مقتنعاً، من خلال خبراته الثرية، بأن ما يربط الصراعات على اختلافها، مثل الحرب الروسية اليابانية خلال الفترة من 1904و1905، والهزيمة الألمانية أمام موسكو في ديسمبر 1941.. هو افتراض مفرط في الثقة بالنصر، ومن ثم تكون الكارثة، أي الكبرياء قبل السقوط! وقد اختار «هورن» سلسلة من المعارك حدثت خلال القرن الماضي، ينطبق عليها مبدأ الثقة المفرطة، سواء أكانت نتاج استعلاءات عرقية أو معلومات مخابراتية خاطئة أو تغاضٍ متعمد عن الواقع وحدود القوة. وأوضح أن تلك المعارك التي اختارها كانت لها أهمية سياسية واستراتيجية طويلة الأجل أكثر من حقيقة النصر أو الهزيمة في حد ذاتهما، ومن ثم أدت هزيمة الروس في المعركة البحرية في مضيق تسوشيما إلى انحدار سريع لنظام القياصرة، بينما فتح الانتصار الياباني الباب على مصراعيه أمام ما أسماه «وهم الحصانة» بين قادة الجيش الياباني، الذين انتهى بهم الحال أمام كارثة على مرتفعات نومونهان ضد الجيش الأحمر ومعركة «ميدواي» ضد البحرية الأميركية بعد ذلك بعامين فقط. وقد أفسحت انتصارات هتلر السريعة خلال الفترة بين عامي 1939 و1940 الطريق أمام هجوم متعجرف على الاتحاد السوفييتي، ومن ثم الهزيمة أمام موسكو. وفي النهاية قادت الفوضى التي أعقبت الحرب في شرق آسيا ضد تهديد شيوعي آخر الجنرال ماكارثي والجيش الفرنسي إلى كوارث في كل من كوريا وفيتنام. ومن المثير للاهتمام أن «هورن» يركز بشكل كبير على سلسلة من الصراعات في آسيا، في حين توجد وفرة من النماذج في أوروبا. والحقيقة أن «الكبرياء» هو مفهوم ابتكر في القارة العجوز، ويبدو سمة لمجتمع الدول الأوروبية القوية التي تمكنت من السيطرة على معظم دول العالم في القرن التاسع عشر، وأصبحت في القرن الماضي قوة دافعة وراء الموجة الأخيرة من بناء الإمبراطوريات. وربما تكمن الميزة في المعارك التي اختارها «هورن» في «غموضها النسبي»، حيث يسرد قصص معارك «تسوشيما» و«نومونهان» و«دين بين فو» ومعارك أخرى في كوريا، وهي ربما تبدو جديدة على القارئ الغربي أكثر من المعارك التي وقعت في فرنسا خلال عام 1940 وبعده، وصولاً إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. وائل بدران الكتاب: الكبرياء المؤلف: ألياستر هورن الناشر: ويدينفيلد تاريخ النشر: 2015