هل تعمل الصين فعلا على إنشاء إمبراطورية جديدة في المناطق الريفية من أفريقيا؟ يذهب إلى ذلك عدد غير قليل من وسائل الإعلام الغربية التي تزعم أن العملاق الصيني يسعى لوضع يده على أجود الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا بهدف استغلالها وتطويرها وتصدير محاصيلها إلى الصين من أجل إطعام أبناء شعبه المتزايد، في ما يبدو شكلا من أشكال «الكولونيالية الجديدة». إنه الموضوع الرئيسي لـ«ديبورا بروتيغام» في كتابها الجديد «هل ستُطعم أفريقيا الصين؟»، والذي تشرح فيه كيف أن ذلك لا يبدو مرجحاً في الأمد المنظور. بروتيغام، التي تدرّس الاقتصاد السياسي بجامعة جون هوبكينز وتُعتبر أحد الخبراء في العلاقات الصينية الأفريقية بفضل بحوثها العديدة في هذا المجال، قامت ببحث ميداني في عدد من البلدان الأفريقية، من موزمبيق إلى سيراليون، إضافة إلى الصين نفسها، وخلصت إلى أن ثمة من الخيال أكثر من الواقع بخصوص ما تروّج له بعض المنابر الإعلامية الغربية من أن الصين تخطط للاستيلاء على الأراضي الزراعية في أفريقيا. وبدلا من ذلك، وجدت المؤلفة أن ثمة بعض الاستثمارات المتناثرة هنا وهناك، وعلى نطاق صغير نسبياً، ومعظمهما غير ناجح، موجهة لبيع محاصيل محلية للأسواق المحلية، وأحياناً لتصدير محاصيل تسويقية تقليدية مثل المطاط وزيت النخيل. وتسعى «بوتيغام» لدحض وتفنيد جملة من الأفكار الشائعة، ومنها مثلا أن الصينيين يسعون للحصول على أراض زراعية شاسعة في أفريقيا، وهو شيء وجدت أن لا أساس له من الصحة. فمثلا بخصوص ما يشاع من أن شركة الاتصالات الصينية «زي تي إي»، وفي مسع منها لتنويع استثماراتها، قامت باستئجار 3 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية التي تنتج زيت النخيل، وجدت المؤلفة أن الأمر يتعلق بـ200 هكتار من الأراضي فقط. وأن أصل الإشاعة يعود إلى أن الشركة المذكورة أدلت بتصريحات مبالغ فيها، ربما لإعطاء نفسها قيمة أكبر من قيمتها الحقيقية، وهو أمر ينم، حسب المؤلفة، عن «الطموحات غير الواقعية أحياناً لدى شركات صينية ذات خبرة قليلة أو منعدمة في أفريقيا». بوتيغام تنبري لدحض ما تعتبرها أفكاراً مغلوطة أخرى منتشرة على نطاق واسع من قبيل أن الاهتمام الصيني بأفريقيا تقف وراءه الدولة، إذ تقول إنه «لا توجد محاولة منظمة من قبل الحكومة الصينية للحصول على أراض»، أو أن الصين تنوي «تصدير» أعداد كبيرة من المزارعين الصينيين إلى الخارج، وهو ما تعلق عليه بالتأكيد أنه لا دليل على حدوث أي شيء من هذا القبيل. وأخيراً، تشدد على أن الفكرة التي مفادها أن أفريقيا تُستغل لتصدير الطعام إلى الصين فكرة مجافية للحقيقة، وذلك نظراً لأن التكاليف جد مرتفعة والمحاصيل جد منخفضة، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق. وتجادل بروتيغام بأن أفريقيا، التي تشير بعض التقديرات إلى أن لديها 60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة، يمكنها التعلم من الصين التي انتهجت «سياسات زراعية ناجحة»، معتبرةً أن الصين تستطيع لعب دور في مساعدة المزارعين الأفارقة على تحسين مستوى زراعاتهم ومحاصيلهم. غير أنه رغم كل المبالغات والتضخيم، فإن الوجود الصيني في أرياف أفريقيا ليس كبيراً بما يكفي حتى يُحدث فرقاً. محمد وقيف الكتاب: هل ستطعم أفريقيا الصين؟ المؤلفة: ديبورا بروتيغام الناشر: أوكسفورد يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2015