إن الحكمة أن تتعلم من أخطاء الآخرين لا أن تقع في الأخطاء حتى تتعلم. لكن الآن، وبعد أن فقدنا العراق، هل يكفي أن نصرخ من ألم الضربات المتتالية؟ ربما لا يختلف الكثيرون في الإجابة على هذا التساؤل، كما أنه قد لا يعارض الكثيرون أيضاً ضرورة الحذر والحرص في هذا الخصوص حتى لا تضيع بقايا الوطن العربي، فأن نحتفظ بالباقي خير من أن نستسلم ونسلم أجزاء جسد الأمة باكين حزانى وثكالى. في مثل هذه الأيام، وقبل أكثر من خمسمائة عام، تم تسليم مفاتيح غرناطة، بعد أن انهارت أسوارها الجميلة وتوقفت تراتيل قرآنية بين جنبات طرقاتها. من كان يصدق احتمالية حدوث مثل ذلك في الأندلس؟ العدو يتجدد بأشكال وأوجه وتسميات مختلفة، لكنه موجود بذات الدهاء وذات الدرجة من الكراهية والحقد، ولولا اختلاف الأسماء لعرفنا أنه هو ذاته اسماً ورسماً. العراق الذي أغمض العرب أعينهم عن احتلاله، هو سبب النيران المندلعة اليوم، هو الكابوس الذي يطاردنا في اليقظة والمنام، هو الحقيقة الصعبة التي اعترفنا بالتفريط فيها لكن بعد ضياعها. العراق اليوم محتل احتلالا مباشراً يعمد إلى سرقة تاريخه وتراثه وثرواته وتحويله إلى ولاية إيرانية، وهم بذلك يحسبون أنهم يحولون مجرى التاريخ بعيداً عن الرافدين. المنطقة اليوم تدفع ثمن أخطاء الماضي وتتوالى عليها الضغوط لتقديم التنازلات بين معسكري الشرق والغرب، فروسيا المهووسة بالعظمة وبتاريخ الاستخبارات القديم، تخوض ما تعتبر أنه معركة مصيرية، لكنها ستخسرها رغم كل محاولاتها، فلدى أميركا من الأدوات ما هو أكثر دقة وجدة، وقد اعتادت على خطوات اللعبة، أما روسيا المندفعة نحو الحرب الباردة الجديدة فجاءت لتوقد نيراناً لن تستطيع إخمادها. ولا يكمن الحل هنا في استعداء الشعوب أو في اللجوء لحلول طائفية كتلك التي تحاول إيران دفع المنطقة نحوها، وذلك بإصرارها على تصنيف الآخر وفق مذهبه، أي بحكم التوحش الهمجي ذاته الذي تمارسه بعض الجماعات الإرهابية.. بل يكمن في مزيد من الحوار والاحترام والإدراك لطبيعة المدارات المتداخلة حالياً. قد نستوعب غضب المواطن السوري من دور المليشيا الإيرانية المعتدية على شعب أعزل، لكن لا أحد منا يسمح بغرق نسيج اجتماعي للتعايش ظل ينمو ويتطور على أرض سوريا وتلطيخه بدماء الحروب الأهلية الطائفية، كما تفعل إيران بدفعها الأمور هناك نحو هذا الاتجاه. نجد اليوم صوت الطائفية يعلو ويزداد صراخاً، ويحرض على شن حروب التقسيم والتفتيت، بغية مزيد من الاستغلال والهيمنة. لقد نجحت إيران وأتباعها في الترويج لطائفية مجنونة لا فائدة من ورائها سوى تقسيم الشعوب وإهدار الطاقات واستنزاف مقدّرات الأمة، وذلك حين احتلت العراق ومن بعده سوريا واليمن، وقبلها جميعاً كان احتلال لبنان من خلال «حزب الله». الاستسلام للتهييج الطائفي الذي تقاتل من أجله إيران، يعني إشعال المنطقة بأسرها، وهذا ما تسعى له حكومة معتدية لا ترى إلا مصالح وأطماعا ضيقة لا تغطيها إمكاناتها ولا تسمح بها مشاكلها الداخلية. غرور السطوة مخيف، ومخاطره باعثة على مطلب مهم وهو وحدة الصف واجتراح خطاب إسلامي يخاطب المسلم مهما كانت طائفته ويخمد نيران الفوضى ويعيد للأمة دورها الحقيقي في ريادة الإنسانية واحتضانها، كأمة كانت وستبقى «خير أمة أخرجت للناس».