اشتهر اسم نادية مراد الإيزيدية في الإعلام الأجنبي والعربي، فمن العادة أن شهرة الضحية مِن شهرة الجلاد، بعد أن ألقت خطاباً على منصة مجلس الأمن الدولي، ومقابلتها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكانت من أبرز الشهود على توحش «داعش» وغرائبهم. تحدثت عن أسرها وبنات ديانتها، حيث قادوا أُمها وأخوتها الستة إلى القتل، شهدت على بيع الجواري، فهي كانت إحداهنَّ، وتأجيرهنَّ للجنس والخدمة. تحدثت عن مجتمع متدين جداً لكنه متوحش، يتصلون بمختلف بقاع العالم، وبينهم عبر تلفونات «الثريا»، ولديهم خدمة الإنترنيت، ومحاكمٌ وشرطةٌ ومدارسٌ، يعني أن لديهم كيان دولة قائمة بذاتها. تقدمت نادية إلى مجلس الأمن طالبة تحرير بنات دينها وقد عدتهن بالألوف، كي تعمل الأمم المتحدة على تعويض الإيزيديين ما فقدوا وأن تعمر مدنهم وقراهم بعد خرابها. نست ما حصل بها فلو تذكرت وعاشت تلك اللحظات ما تمكنت أن تكون سفيرة أهلها إلى الأمم المتحدة، وما تحدثت لوسيلة إعلام، وقد نشرت صحيفة «الاتحاد» مقابلة وافية معها، وقدمتها القنوات المصرية راويةً فاجعتها وفاجعة قومها، وعلى وجه الخصوص أنها قابلت الرئيس المصري، وطالبت الدول والشُّعوب: إن «داعش» لا يقضي عليها إلا المسلمون أنفسهم، لأنها لم تسمع باسم «داعش» إلا بعد هروبها، وإلا ما كان يتداول أمامها اسم «الدولة الإسلامية». تقول نادية: عشنا دهوراً مع مواطنينا المسلمين بسنجار وغيرها مِن مناطق الموصل المختلطة، ولم يحصل يوم مِن الأيام أن اعتدى يزيدي على عرض مسلم ولا العكس، بهذه الكلمة ناشدت نادية مراد المجتمع المسلم، أن يقف ضد «داعش»، والاعتراف بأن ديانتها إلهية مثل غيرها، وإنهم ليسوا كفاراً. لكن ما آلمها وحزَّ في نفسها أن أبناء مسلمين، مِن مناطقها، ومِن المتعايشين معهم طوال السنين، سرعان ما تنكروا لقرابة المواطنة، وكأنها ليست مواطنة ولا جيرة بينهما، بعد دخول «داعش» إلى سنجار والموصل. كانت بين كلمة وأخرى تذكر هذه المفارقة، أن تنظر شباباً مِن ذوي القربى، يُشاركون في قتل وأسر الإيزيديين، وكأنهم اكتشفوا الآن أنهم ليسوا مسلمين، بعد أن عاش الأجداد والآباء معاً. وستقولون: أين القربى بين المسلم والإيزيدي؟ أقول إنها المواطنة وإلفتها، وهل هناك أكثر قرابةً منها؟! فالأُسر التي تحولت لصف «داعش»، كانوا يفتخرون أمامها بما فعلته «داعش» بقومها، لأنهم «كفار»! لكن نادية لم تنس، في قصة هروبها، تلك الأُسرة المسلمة الموصلية الأصل، التي احتضنتها وساعدتها على الخلاص مِن قبضة «داعش»، مع أن في هذا الاحتضان عقوبة لا تقل عن عقوبة «الرِّدة» حسب قضاة تلك الجماعة، وقد أخذت اسم صاحبة الدار وهويتها كي تتمكن مِن المرور مِن سيطرات «داعش». أقول: ليست هذه هي الأُسرة الوحيدة التي ساعدت، فلابد مِن أُسر تحملت مثل هذا العبء، وغامرت بدمائها مِن أجل الجيرة والمواطنة، وبالأخير الإنسانية. منذ (2003) والذَّبح بالإيزيديين، وبقية العراقيين هناك، جارٍ بلا توقف بسيوف «القاعدة» ثم «داعش»، ومحنة قوم نادية مضاعفة، فهم لا يُعدون مِن أهل الكتاب، حسب تصنيف كُتَّاب الملل والنِّحل. وبهذه الحجة لم يبق أمامهم إلا أمرين: إما البراءة مِن دينهم أو القتل، وبالنسبة لأهل الدِّين كلاهما سواء، وعلى وجه الخصوص أن يسلم المرؤ على يد مثل هذه الجماعات في وحشيتها. في السابع من أبريل 2007، والديانة الإيزيدية مقبلة على عيد رأس السنة (عيد الخِليقة) الأربعاء الأحمر، اهتزت منطقة شرق الموصل لقتل الفتاة دعاء دخيل أسود، من قبل شباب إيزيديين، وبتحشيد مريب وهائج من قبل المتشددين الإسلاميين بالموصل، أسفرت الحادثة عن قتل 24 إيزيدياً من عمال النسيج بالموصل في يوم الأحد (22 أبريل)، وقتلوا صبراً بحي النور، بحجة الثأر لدعاء التي ادعوا أنها أسلمت، وقد حكى القصة أحد الناجين بأعجوبة من القتل، بعد أن فتحت له امرأة موصلية باب دارها فنجا. وبعد أربعة شهور (14 أغسطس/‏‏ آب 2007) حل القتل الجماعي بالإيزيديين، عندما فُجرت أسواق قريتين لهما، وأسفرت عن قتل نحو (750) إيزيدياً، وكانت إعصاراً مِن الدِّماء وموسماً لحصاد رؤوس البشر! كان ذلك إنذاراً، لو هناك دولة وسُلطة مسؤولة عن مواطنيها، حتى حصل احتلال الموصل، الغامض حتى هذه اللحظة. مِن حق نادية الإيزيدية: أن تنعى قرابة المواطنة، وكأن حال لسانها ينشد مِن معلقة طرفة بن العبد (عاش في القرنين الخامس والسادس الميلاديين): «وظلمُ ذوي القُرْبى أشدّ مَضاضَةً/‏‏على المَرْءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد». *كاتب عراقي