الثورة السورية وما حملتهُ من تطورات إلى التدخل الروسي العسكري قاد إلى خروج ما يسمى بمجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا، فهناك أهداف مشتركة بين الطرفين ولكنها لا تستطيع حياكة إطار إقليمي يحتوي على الأولويات التركية والسعودية ويحد من دور المحور الروسي. إن النظر لما سيسفر عنهُ التدخل الروسي العسكري في سوريا يحمل توجساً سعودياً وتركياً من خلال احتمالية نجاح المحور الروسي (إيران-وحكومة بغداد- نظام بشار) في الوضع السوري بشكل منفرد بعيداً، حيث هناك تقدم روسي في سوريا في محاربة الإرهاب «داعش» وإضعاف المعارضة السورية المسلحة وتثبيت نظام بشار، وهو الهاجس الذي دفع الرياض إلى مزاحمة موسكو عبر جمع المعارضة السورية، وإظهارها كتيار معتدل داعم للحل السياسي، ولم تخف موسكو انزعاجها من هذه الخطوة حيث لا ترغب إلا بقبول «الجيش الحر» كقوى معارضة مسلحة. بينما تركيا باتت الخاسر الأكبر في حضورها في المشهد السوري بسبب الحرب الروسية على الإرهاب وقصفها المعارضة السورية المسلحة، وإثارة ملف داعش ومن يدعمها وتوجيه إصبع الاتهام لتركيا بأنها تستفيد من النفط المهرب من قبل «داعش»، مع توتر العلاقة بإسقاط أنقرة الطائرة الروسية سوخوي، والتي تولد عنها هاجس أمني من ردة الفعل الروسية التي ربما تتجاوز البعد الاقتصادي إلى الملف الكردي في سوريا وتركيا مع تقلص أهمية الدور التركي في سوريا. فالرياض قد تكون أكثر إدراكا للمصالح مع موسكو من أنقرة، فقد تعهّدت موسكو بعدم التدخل في اليمن ضد التحالف العربي، وذلك لأن اليمن يحمل أولوية أمنية للسعودية بسبب الجوار الجغرافي والبعد التاريخي وما تحملهُ جماعة «الحوثيين» من وجه صراعي مع إيران عبر البعد المذهبي. فالعلاقة بين موسكو والرياض لها حيز من المصالح البراجماتية رغم الاختلاف في البعد الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن وما تمثلهُ إيران من كونها لاعباً إقليمياً يخدم التواجد والمصالح الروسية في الشرق الأوسط، وأيضاً في آسيا الوسطى. ونستطيع القول بأن مجلس التعاون الاستراتيجي بين أنقرة والرياض يحمل أهدافاً مشتركة في سوريا كرحيل بشار ومشاركة روسيا في إعادة الاستقرار في سوريا عبر دعم وإشراك القوى المعارضة السورية المتعددة. وهذا المجلس لا يلتقي مع روسيا في مسألة بقاء بشار الأسد وعلى ذلك لا تجد أنقرة والرياض من قُدرة على أي تحركٍ استراتيجي سوى دعم القوى المعارضة المسلحة السورية كي تبقى قوية وتستطيع أن تشارك في مستقبل سوريا ما بعد بشار، ولنا أن نتذكر بأن الرياض وأنقرة تسعيان للإسراع في إسقاط نظام بشار قبل التدخل الروسي العسكري. وهذا الدعم من الناحية العسكرية يبدو صعباً وسيقود إلى توتر العلاقة بين الرياض وموسكو، ويزيد من توتر العلاقة الروسية- التركية. وفي محور مهم يتعلق بكبح المليشيات المتطرفة، فإذا كانت موسكو تهدف إلى جعل قوى المعارضة المسلحة في سوريا في قائمة الإرهاب ما عدا «الجيش الحر»، وترفض قبولها كتيار معارض معتدل، هل يستطيع هذا المجلس الضغط على موسكو في اتجاه تصنيف المليشيات الشيعية في العراق وغيرها كـ«حزب الله» وفيلق القدس ضمن القائمة الإرهابية لموسكو؟ على الرغم من أهمية التعاون الاستراتيجي بين البلدين إلا أنه لا يأخذ أبعاداً قوية في تلاقي الأولويات، فأنقرة مهتمة بأمنها ومصالحها، والذي يولد بعض التناقضات مع الرياض، ففي الجانب الأمني تكون الأولوية التركية في التصدي للتنظيمات الكردية ولطموحاتها الإقليمية رغم حقيقة أن لتركيا علاقات جيدة مع رئيس كردستان العراق مسعود برزاني في الجوانب الاقتصادية والأمنية، كما أن مصالح تركيا الاقتصادية والتجارية مع إيران كدولة مجاورة تحتم عليها الحفاظ على علاقات جيدة مع حقيقة وجود تضارب بينهما في سوريا، إضافة إلى انعكاس توتر العلاقة بين تركيا وروسيا. إذا تركيا لا تضيف إستراتيجية رادعة ضد إيران، ولعل حالة العلاقة التركية الإيرانية تعكس حالة من الردع الناعمة الذي تتضح من خلال تلاقي تركيا وإيران في علاقات تعاونية اقتصادية وأمنية في قضية تمدد الأكراد، إلى جانب علاقات صراعية في دائرة الحصول على الدور الإقليمي الأهم في الشرق الأوسط. وليس من المبالغة القول بأن تركيا تسعى لأن تكون الراعي والفلك الإقليمي للدين الإسلامي السني وتطمح «أنقرة» أن تتخذ من العراق واقعا ينافس إيران، حيث تريد أن تكون الداعمة والممثلة الإقليمية للقوى العراقية السُنية في وجه إيران والقوى الشيعية العراقية، وفي هذا الشأن أيضا تتنافس مع السعودية على تمثيل السُنة في العراق وسوريا بل في المنطقة العربية والإسلامية. وثمة مسائل أخرى مرتبطة بهذا المجلس، وهو أن تركيا أصبحت تريد مساحة إقليمية أوسع لعلاقاتها التي ضاقت بسبب دعمها وتأييدها لـ«الإخوان المسلمين»، وهنا ربما «تركيا» تسعى لإعادة زخم علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية قبل «الربيع العربي»، وترى في الرياض القدرة على تحقيق تلك المساحة الإقليمية لها، فهنالك حديث عن تصدير الغاز القطري إلى تركيا عبر قناة السويس. ويبدو أن انخفاض سعر النفط ورعاية تركيا لـ«الإخوان» يقوضان أي تطور لتلك العلاقات الاقتصادية والاستثمارية في الفترة الحالية. ويبقى إنشاء الحلف الاستراتيجي السعودي– التركي دافعا قويا ضد تفرد المحور الروسي في مستقبل سوريا، ولكن لا يحمل القدرة على تحقيق ذلك إلا بتنسيق ورعاية أميركية نحو دعم قوى المعارضة السورية المسلحة أمام نجاح محور روسيا في سوريا، لكي يتم تقليص نجاح الدور الروسي عبر قبول تلك القوى السورية «ماعدا داعش» كأطراف تتفاوض في العملية السياسية السورية. محلل سياسي