تتشابه كثيراً اللهجات الشعبية الدارجة في البحرين والكويت وقطر والإمارات وشرق المملكة العربية السعودية، ولاسيما عند كبار السن من الرعيل الأول، وعند التمعن والتدقيق في مفرداتها تجد لهذه المفردات جذراً فارسياً أو هندياً أو تركياً أو إنجليزياً كنتيجة للاحتكاك والتواصل الطويلين بالشعوب المتحدثة بهذه اللغات، ولاسيما الشعوب الهندية والفارسية. وقد فعل خيراً الأستاذ سعد سعود مبخوت حينما أصدر كتاباً في عام 2001 تناول فيه بالتفصيل أصول لهجة البحرين التي تتطابق مع لهجة قطر، وتختلف اختلافاً طفيفاً عن بقية اللهجات الخليجية، ومادة الكتاب كانت في الأصل أطروحة حصل من خلالها المؤلف على درجة الماجستير من جامعة الملك سعود بالرياض، وهناك بالتأكيد جهود أخرى في هذا المجال أتذكر منها كتاب للعراقي فالح حنظل عن المفردات الشعبية المستخدمة في دولة الإمارات، وكتاب لأنس عيسى ماجد الشاهين عن اللهجة الشعبية في الكويت بعنوان «عتيج الصوف في الكلمات والحروف». ومؤخراً أصدر عازف الكمان البحريني المعروف، وصاحب البرامج الإذاعية التراثية، والباحث في التراث الشعبي، ومستشار التراث الأسبق في وزارة الثقافة الأستاذ محمد أحمد جمال كتاباً مهماً في المجال ذاته تحت عنوان «معجم الألفاظ والتعابير الشعبية»، لكن هذا الكتاب يختلف عن كتاب المبخوت من عدة نواحي، فهو أضخم حجماً، ومقسم إلى فصل يشتمل على المصطلحات المستخدمة في لغة الأطفال، والألعاب الشعبية، والحرف والمهن، والأمراض والظواهر الصحية، والوصف والألقاب. وفصل آخر يختص بمصطلحات الغوص والبحر، وأسماء السفن والأسماك، وأسماء الرياح ومواسم الفصول، وفصل ثالث يتناول الأمثلة الشعبية ودلالاتها، ولعل ما يُعيب الكتاب دون أن يقلل من قيمته إطلاقاً أنه لا يحتوى على ما يشير إلى سنة طبعه أو الجهة الناشرة أو سيرة مؤلفه. الأستاذ جمال، وهو صاحب مؤلفات تراثية عديدة مثل «الفِجري من الولادة إلى الاحتضار»، و«الصوت وإشكالية الأصل»، و«الظواهر الأدبية والموسيقية في إرث الغناء البحري الشعبي»، أهداني مشكوراً نسخة من معجمه سالف الذكر الذي لم يحظ للأسف بما يستحقه من اهتمام وتقدير، خصوصاً أن صاحبه بذل فيه جهداً جباراً بدليل قائمة المراجع والمؤلفات اللغوية الطويلة التي استند إليها في عمله. يقول الشاعر والعالم اللغوي ابن الخشاب البغدادي الذي عاش ما بين عامي 1099 و1172 للميلاد، وعُرف بكثرة مزاحه وعشقه للعبة الشطرنج، أن «بين ثنايا كلام العامة هناك ما يمكن إثراء اللغة العربية به من ألفاظ هي من ابتكارات أبنائها»، وهذا ما ركز عليه المؤلف في كتابه حينما أوضح أن الكثير من مفردات اللهجة الشعبية الدارجة في الخليج هي في الأصل كلمات عربية فصيحة مستمدة من لغات قبائل شبه الجزيرة العربية القديمة مثل لغات: هذيل، وعبد قيس، وتميم، وقريش، وغيرها. وفي اعتقادي - وأرجو ألا أكون مخطئاً - أن اللغة أو اللهجة هي ابنة بيئتها، بمعنى أن البيئة بظواهرها الاجتماعية وأحوالها الاقتصادية المختلفة تخلق وتروّج لنمط معين من المفردات والمصطلحات التي تعكس تلك الظواهر، وقد وجدتُ هذا واضحاً في الفصل الخاص بالمفردات الدالة على الوصف والنعت والألقاب ضمن كتاب الأستاذ جمال، فهناك كم ضخم من المفردات الوصفية الدالة على الغباء والبلادة والكسل وعدم الاكتراث، أو الدالة على السلوكيات المنحرفة، أو الدالة على المنافقين والوصوليين وأصحاب المكر والدهاء وأعتقد أن تلك النعوت أو المفردات الوصفية ما هي إلا مرآة لحالة مجتمعاتنا القديمة التي كان يسيطر عليها الجهل والفقر والتخلف وتدني مستويات المعيشية التي ساهمت بدورها في ظهور أناس بخلاء أو قليلي النظافة، أو محتالين، أو منحرفين، وبالتالي ظهرت نعوت للدلالة على البخل (مثل: حريص، زطي، جعص)، أو قلة النظافة (مثل مقطّن، ومصّن، ومُروح)، أو السفالة والانحراف (مثل: جعري، جنكلي، حناتشل، سربوت، سرسري، صيعي، لوفري، وكيح، أسود ويْه)، أو للدلالة على المكر والدهاء للوصول إلى الغايات بوسائل غير مشروعة (مثل: جُمبازي، حبنتي، ملوّص، هيس). ووجدتُ في معجم المؤلف طائفة كبيرة من النعوت الدالة على السذاجة، أو فساد العقل، أو الكسل، أو الضياع، أو الاستهتار، أو الحماقة، أو اعتماد الكذب في القول والفعل، ومن أمثلتها: ديغي، تلْح، تنبل، جثل، كُهمة، حبربش، خبل، خثل، خرّاط، خربوطة، خريش، خمّه، دعْلة، دمخ، زعطوط، سامان ديكا، صلف، طرطنكي، طرن، طوير الزمّ، عيّار، لُوسة، متْيَح، مخرخش، مربوش، مستخف، مشدّخ، مشموخ، مصرقع، مصك، مطرطر، مطيور، مفّهي، هايت، هتْلي، بطّالي، بلشْتي، بوشلاخ، دُرُوْ. ومن المصطلحات والأمثلة الشعبية التي أوردها المؤلف في معجمه، والتي لا يعرفها أو لم يسمع بها شباب الجيل الحالي اخترت لكم: عومة مأكولة ومذمومة، ويقال في من يقبل على الشيء ويذمه في نفس الوقت. كسّر مياديفه (مجاديفه)، أي سبب له الإحباط. غسّل شراعه، أي لقنه درساً قاسياً. ما في إذنه ماي، يُقال للذي عزم على المضي في أمر ما دون تردد. صمخ النواخذة، ويُقال للذي يتظاهر بعدم سماعه لطلب أو شكوى ما، على نحو ما كان يفعل النواخذة مع بحارتهم وقت طلب الأجرة. كل سمكة تسبح في بحرها، وهي تقابل المثل العربي «الطيور على أشكالها تقع». رأسه في اليمّة ويقول هدوني عليه، ويُقال للجبان الذي يدعي البطولة او يتفاخر بما ليس فيه. إذا ركستْ كلني السمك وإذا طفحت كلني الطير، ويقال لمن يقع بين نارين مثل صغار السمك التي إنْ غاصت أكلتها الأسماك الكبيرة وإنْ طفحت على السطح أكلتها الطيور. *أستاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين