منذ أن جاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة عام 2014 وسياسته الخارجية تمتلئ بالمفاجآت والأعمال الجريئة. فقد دعا رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى حضور مراسم تأديته اليمين الدستورية، مما أثار الآمال حول حدوث انفراجة في المحادثات المتوقفة بين الجارين المتنافسين. لكن بعد فترة قصيرة أنطفأت شرارة الأمل بسبب تصريحات عدوانية من أعلى المستويات في الحكومة، وظهر احتمال انحسار التعاون الدبلوماسي. غير أن الزيارات المهمة لمودي إلى أفغانستان وباكستان هذا الأسبوع قد توصف بأنها إقرار واضح من رئيس وزراء الهند بأن التعامل مع باكستان ليس مهمة سهلة، وأن عليه أن يتحلى بالحنكة والنظرة الواقعية إذا أراد أن يحقق حلمه «صنع في الهند». فبعد عودته من زيارة لروسيا، ذهب إلى أفغانستان التي تدخل مرحلة من عدم اليقين مع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب القوات الغربية. لكن المفاجأة الكبيرة كانت زيارة مودي لباكستان، مما يوضح جدية رئيس الوزراء الهندي في مسعى دفع عملية السلام مع باكستان. والزيارة بقيت طي الكتمان حتى اللحظة الأخيرة، ووصفت بأنها زيارة لإبداء النوايا الطيبة. وخلالها قرر الجانبان أن يعززا الاتصالات بين الشعوب ويقدما دفعة جديدة للسلام. لكن ما تزال هناك أسئلة عن مدى قدرة الهند وباكستان فعلياً على المضي قدماً في مسعى السلام، رغم هذه الجهود الدبلوماسية الاستثنائية. وهناك الكثير من العراقيل أمام السلام بين البلدين، ومن بينها الإرهاب ووجود طائفة كبيرة من الناخبين في كلا البلدين لا تريد الحوار بين الجارتين. ورغم أن العلاقات بين الهند وباكستان مازالت متوترة، فإن تأكيد شريف لنظيره الهندي عزمه على الانتهاء بشكل عاجل من محاكمة في باكستان لمشتبه بهم في الضلوع في هجمات مومباي الإرهابية، ينظر إليه باعتباره عاملا مساعداً للمضي قدماً في تهدئة الأجواء. واجتماع مستشاري الأمن القومي للبلدين في بانكوك في بداية ديسمبر، مثّل أول بادرة طيبة على تخفيف حدة الموقف الهندي. وتلا هذا ذهاب وزيرة الخارجية الهندية إلى إسلام أباد قبل أسبوعين. ولا شك في أن زيارة مودي بمثابة محاولة جديدة لتحفيز السلام بين البلدين المتنافسين. ورغم أنه ليس من المتوقع تحقيق انفراجة كبيرة على الفور، فإن هذا قد يكون أول تحرك مهم في السنوات القليلة الماضية لتحسين العلاقات بين نيودلهي وإسلام أباد. ورغم كل هذا، فإن زيارة مودي لكابول في غاية الأهمية. وفي العاصمة الأفغانية دشن رئيس الوزراء الهندي مبنى البرلمان الأفغاني، وهو الآن أكبر رمز لمساهمة الهند في جهود الإعمار الأفغانية. وتأتي زيارة مودي الأولى لأفغانستان في أعياد الكريسماس، قبل الانسحاب المتوقع للقوات الغربية، والذي يرى مراقبون أنه سيغير المعادلات في المنطقة. ودور الهند في أفغانستان مميز إلى حد بعيد. فرغم أن الهند ليس لها أي صلات ثقافية بأفغانستان، على خلاف باكستان، فإنها مساهم رئيسي في جهود الإعمار الأفغانية. وقد أنفقت نيودلهي أكثر من 2.2 مليار دولار في بناء مدارس وطرق، علاوة على مبنى البرلمان، ومازالت تدرب مسؤولين أفغاناً. وقد بدأ البلدان في الآونة الأخيرة يتعاونان أمنياً، كما تورد الهند طائرات هليكوبتر لأفغانستان. لكن مع استمرار عدم اليقين بشأن عملية السلام بين الهند وباكستان، هناك قلق بشأن ما سيحدث في أفغانستان، خاصة مع تعزيز «طالبان» لنفوذها هناك، وتزايد الخسائر في صفوف قوات الأمن الأفغانية. والهند ليس لها دور مباشر في عملية السلام هناك، ولا تقدم أي شيء على طاولة المفاوضات، ومن المتوقع أن ينحسر دورها هناك بينما يتزايد الدور الذي تلعبه باكستان بعد انسحاب القوات الغربية. ولا شك أن مودي أمامه تحد في باكستان وأفغانستان. والتحدي في أفغانستان لا يقتصر على مجرد الإبقاء على تواصل العلاقات بين البلدين، لكن أيضاً الحاجة إلى السلام في البلاد التي تمزقها الحرب لضمان الاستقرار في المنطقة. وفي باكستان يتمثل تحدي مودي في إدارك أن سياسته في الجوار لا يمكن أن تكتمل دون تواصل مع باكستان. وجهوده في الآونة الأخيرة لتعزيز العلاقات الثنائية مع روسيا وفتح القنوات مع باكستان تمثل علامات على أنه أصبح أكثر جدية في فهم مطالب الدبلوماسية الدولية. ومجرد عقد اجتماعات قمة مع زعماء العالم والتصريحات الرنانة، كل ذلك لا يعتبر جهوداً دبلوماسية مهمة وكافية، إذ يتطلب الأمر كذلك صبراً ومثابرة. والمضي قدماً بعملية السلام مع باكستان مازال يمثل تحدياً رئيسياً لمودي. ومن المؤكد أن هناك بداية جديدة تم تدشينها ومن المهم للجانبين الآن أن يعالجا القضايا بينهما بهدوء بعيداً عن مرأى ومسمع العناصر المدمرة في البلدين، ممن تتمثل مصالحهم في تخريب أي جهود سلام في شبه القارة الهندية. -------------------------- *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي