رحم الله شهداء الدين والوطن والواجب من الإمارات وإخوانهم من دول التحالف العربي والجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية، الذين ضحوا بأرواحهم لتحيا الأمة العربية عزيزة غير مستباحة ويبقى الإسلام الصافي والبريء من التأويلات المذهبية القاصرة بعيداً عن عبث العابثين. وهل يوجد هناك أغلى من روح الإنسان لكي يجود به؟ الحديث السياسي عن أهمية تدخل قوات التحالف العربي لحماية الشرعية في اليمن ووقف التمدد الطائفي البغيض، قد أشبع تحليلاً وشرحاً، ولم يعد ما يدور في اليمن سراً على القاصي والداني. نعم هناك صراع مصالح ووجود يمتد داخل العمق العربي، خاصة دول الخليج ومصر، لذا كان خيار خسارة اليمن لمصلحة ولاية الفقيه و«الدولة الإسلامية العالمية»، خياراً مرفوضاً. أن تحمل جنسية بلد وتكون من سكانه، لا يبرئك ذلك من تهمة الاستعمار أي أن تكون مستعمراً عندما تخون بلدك وتتحالف مع الآخر وفق معطيات دينية أو اقتصادية سياسية أو عرقية أو قبلية.. تهدد من خلالها المصلحة والسلامة العامة وسيادة الأرض والوطن، وتقدم النظرة الحزبية أو المذهبية على المصلحة الوطنية. لكن ما يدهشني حقيقةً هو تشدق بعض المتشدقين بأن من ضحَّوا بأرواحهم ضمن قوات حكومية نظامية ذهبت لليمن، أو شاركت في أي بلد مسلم دفاعاً عن الأمة ومقدراتها، لا يعتبروا شهداء طالما لم يكن ذلك دفاعاً مباشراً عن أرضهم وحياتهم وشرفهم ومالهم! وأستغرب كيف يؤمن عناصر الجماعات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي، بمختلف مشاربها، بأن أرض المسلمين كلها واحدة وتجب نصرة الجهة المستضعفة فيها ضد الجهة الباغية، ثم يعودون ليناقضون منطقهم في الحالة اليمنية بالذات. إنهم بذلك يفضحوا توجههم الضال ويبينون للعالم أجمع أنهم أصحاب هوى وأجندات خاصة. وهل ستكون الأرض والعرض والمال والنفس في مأمن من العدو إن هدد العمق الأمني الوطني للدول المستهدفة. إن مفاهيم الحدود الوطنية والأمن الوطني والقومي تغيرت ولابد من فتاوى وفكر إسلامي يعكس الواقع المعاصر، ولا ينبغي أن نلوم عقول القرون التي مضت على أنها لم تضع حلولاً لتحديات ومستحدثات الوقت الحاضر. الظلم لا يفرق بين دين وآخر أو جنسية وأخرى، ورفع الظلم كذلك. يقول الله عز وجل في محكم كتابه: «وَمَالَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا». ألم يكن أهل اليمن من المستضعفين، والسكان من الأطفال والنساء وكبار السن وغيرهم يعانون الأمرّين من مرض وجوع وتشريد وهرج ومرج على أيدي سلطة مفروضة عليهم تذيقهم أشد أنواع الابتزاز وتذلّهم ولا تعنيها كرامتهم ولا حرمة بيوتهم وممتلكاتهم، وإذا طلبت أغلبية الشعب اليمني من خلال ممثليهم مدّ يد العون، لم يكن هناك من سبيل لإيصال المساعدات إلى مستحقيها من اليمنيين، بسبب هذه السلطة المتمردة الغاصبة؟ الجهاد الذي شرع في الإسلام جاء للدفاع عن الحرمات، لا للعدوان على الناس، حتى ولو كانوا مخالفين في الملة والدين. وبما أن الحرمات انتهكت، كان التدخل في اليمن ضرورة لا غبار عليها. وقد أجمع أولياء الأمر في دول التحالف العربي على تحرير اليمن، فكان جنودنا البواسل على الموعد، وانعقد العزم على نصرة المظلوم تحت راية موحدة، وعلى رد المظالم من الميليشيات العابثة ومن يقف خلفها فهب التحالف العربي لدحض مثلث الشر الحوثي الإيراني العفاشي وأعوانه، وذهبوا بنيّة النصر أو الشهادة وهو ميدان الشرف الذي يتنافس عليه المتنافسون، فحق علينا في هذا اليوم تكريم ذكرى الشهداء وذويهم كرموز وطنية لن تغيب عنها شمس العزة والشموخ، وبتكريمهم نكرم شعباً بأكمله. *كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات