الاهتمام الذي توليه قيادة دولة الإمارات للمواطنين أضحى نهجاً ثابتاً أرساه مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولا يزال يحتل أولوية لدى القيادة، والتي بادرت إلى تكريم شهداء الوطن بتخصيص يوم لهم، يخلد تضحياتهم ويرفع من شأن وطنهم الذي افتدوه بأرواحهم ويردع أعداءهم الذين يجب أن لا يغيب عن ذهنهم بأن الإماراتي والخليجي والعربي قادر على الدفاع عن وطنه وحمايته. نعم استشهد أبناؤنا من أجل الوطن ومن أجل الحق والدفاع عن المظلوم في وجه هجمة شوفينية عدوانية شرسة، ولوقف امتداد حملة توسعية لا تختلف كثيراً عن حملات التوسع التي قادتها دول كبرى وفشلت فيها عبر التاريخ، والذي يجب الاستفادة من دروسه وعبره. فمع بدء الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، وقّع ستالين مع هتلر معاهدة عدم اعتداء، معتقداً أن ذلك سيحمي الاتحاد السوفييتي في حينه من التوسع النازي، إلا أن هتلر بمجرد احتلاله بولندا اخترق الحدود السوفييتية ليصل إلى ضواحي العاصمة موسكو، أما في الغرب فقد احتل فرنسا والعديد من الدول الغربية. عندها طلب ستالين من رئيس وزراء بريطانيا تشرشل فتح الجبهة الغربية، إلا أن تشرشل رد قائلاً إن ذلك «سيكلف خسائر بشرية فادحة»، ليأتيه جواب ستالين مختصراً ومعبراً: «لا توجد حرب دون خسائر يا سيد تشرشل». عندها أمر تشرشل بفتح الجبهة الغربية ليبدأ دحر المعتدي الفاشي من الجبهتين الشرقية والغربية وصولاً لاحتلال العاصمة برلين، وبالأخص بعد انضمام الولايات المتحدة الأميركية للحرب رغم عدم سقوط قذيفة واحدة على أراضيها التي تبعد ستة آلاف كيلومتر عن أوروبا! ولمعرفة لماذا ذهبنا إلى اليمن وضحّى أبناء الإمارات هناك؟ علينا استنتاج العبرة التاريخية من خلال الإجابة عن السؤال: لماذا دخلت بريطانيا والولايات المتحدة الحرب وهما بلدان لم يهاجمهما هتلر؟ ولماذا ضحيتا بمئات الآلاف من أبنائهما على أراضي الغير؟ الجواب سجّله التاريخ، إذ لولا هذا التدخل لاحتلت ألمانيا النازية بريطانيا، ومن ثم سيأتي الدور على الولايات المتحدة، وبدلاً من مئات الآلاف سقط عشرات الملايين ضحايا للفكر القومي المتعصب. صحيح أن الجنود البريطانيين والأميركيين سقطوا بعيداً، إلا أنهم كانوا يستبقون الأحداث قبل وصول النيران إلى وطنهم ومواطنيهم، فمثلما خدع هتلر ستالين وهاجمه قبل أن يجف حبر المعاهدة، فإنه بالتأكيد كان ينوي التوجه إلى احتلال بقية أوروبا. فالفكر القومي المتعصب المدعوم بالعسكرة وعبادة الفرد للهيمنة على الأمم الأخرى، أي النازية والفاشية، لا يمكن الثقة به. هكذا تقول تجارب التاريخ ودروسه. من هذا المنطلق، جاء قرار قيادة الدولة الحكيم بالانضمام إلى المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي لحماية أوطاننا قبل انتشار الحريق الذي يقع عند بوابتنا الخلفية ليشكل تهديداً مباشراً لأمننا ومستقبلنا. هذه هي الحقيقة، وهذه هي قيمة تضحية شهدائنا الأبرار الذين فهموا الرسالة واستوعبوها بشجاعة ونكران للذات بغية وقف امتداد النيران لـ «بيتنا المتوحد»، ودفن غطرسة الفاشي الجديد في الوحل وليوصلوا رسالة للعالم، بأن وطننا لن يدنسه محتل غاصب بعد اليوم، ما يعني أن على الجميع، وبالأخص المعتدي الذي أعلن عن تطلعاته الإمبراطورية، أن يعيدوا حساباتهم الخاطئة. مثل هذه التضحيات ومثل هذا الإنجاز الذي ساهم في إعادة توازن القوى في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط وردع العدوان، يستحق منا جميعاً أن نبقى أوفياء لذكرى شهدائنا الذين ساهموا في ضمان حياة مستقرة وآمنة لنا وللأجيال القادمة. هذا اليوم هو تجسيد للعرفان نجدد فيه ما قاله قادتنا: «إن أولادكم هم أولادنا وإن أهلكم هم أهلنا». وإن وطنكم أيها الشهداء سيزدهر وينمو، وإذا كنتم قد سبقتمونا للشهادة، فها نحن جميعاً نرى هاماتكم عالية ونعاهدكم في يومكم على الاستعداد للمضي على دربكم، درب الفخر والحزم والعزة والكرامة.