أثارت «خطة العمل الشاملة المشتركة»، التي توصلت إليها إيران والدول الست الكبرى والاتحاد الأوروبي في فيينا يوليو الماضي، جدلاً سياسياً واسع النطاق في الولايات المتحدة. وبموجب بنود الاتفاق، وافقت إيران على قبول بعض القيود المؤقتة على برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي رداً على هذا البرنامج. وتزعم الولايات المتحدة التي قادت التفاوض على ذلك الاتفاق، أن من شأنه تجميد تحركات إيران وعرقلة سعيها صوب الحصول على أسلحة نووية، بينما يتيح إمكانية تحسين العلاقات بين واشنطن وطهران التي اتسمت بالعداء الشديد فترة طويلة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وتزعم الإدارة الأميركية أيضاً أن الاتفاق يتضمن بنوداً صارمة فيما يتعلق بعمليات تفتيش دولية للمنشآت النووية الإيرانية، من شأنها تثبيط، وإذا اقتضى الأمر اكتشاف أي خداع إيراني، ومن ثم فرض عقوبات قاسية في المقابل. وعلى النقيض، يزعم منتقدو الصفقة أنها تسمح لإيران بأن تبقى قاب قوسين أو أدنى من الحصول على قنبلة، لاسيما أن شروطها الخاصة بالتحقق من الامتثال الإيراني ضعيفة، وسيمنح رفع العقوبات قادة إيران إيرادات ضخمة تسمح لهم بمواصلة سلوكيات التهديد التي تمارسها طهران، مثل رعاية الإرهاب الدولي، وتثبيت أركان النظام السوري، ودعم «حزب الله». وبلغ الصراع السياسي الأميركي ذروته في سبتمبر الماضي، عندما سنحت الفرصة للكونجرس كي يسجل رفضه للاتفاق، وإن كان الرئيس باراك أوباما لديه تأييد كافٍ بين «الديمقراطيين» للحيلولة دون التصويت على مثل ذلك القرار. لكن على الرغم من الاختلاف، وافق أنصار الاتفاق ومعارضوه على ضرورة أن تمنع الولايات المتحدة إيران من الحصول على قنبلة نووية. ويثير ذلك التساؤل في شأن كيفية تحقيق هذه الغاية، سواء من دون الصفقة أو بعد انتهاء أجلها، أو إذا قرر الإيرانيون الخداع. ويقتضي وقف الانتشار النووي الإيراني في هذه الأوضاع الثلاثة أن تجدد واشنطن سياساتها الرادعة التي انتهجتها أثناء الحرب الباردة، وأن تتبناها، كي تدرك طهران بوضوح مقدماً أن الولايات المتحدة عازمة على منع التحدي النووي الإيراني، ولو بالقوة إذا تطلب الأمر. تهديد حقيقي لقد قال الفيلسوف السياسي الإنجليزي توماس هوبز في نظرية التنين «اللوياثان»، إن «المعاهدات من دون قوة كفيلة بفرض تنفيذها ليست سوى كلمات». ولا شك في أن أي اتفاق يستلزم آلية لتنفيذه، واتفاق إيران لا يتضمن أية آلية، فمن الناحية النظرية، إذا انتهكت طهران بنود الاتفاق، فإن العقوبات الاقتصادية التي ترفعها الصفقة، «ستعود». وعلى رغم ذلك من المستبعد أن يمنع هذا الشرط في حد ذاته إيران من المراوغة؛ ذلك أن إجراءات إعادة فرض العقوبات معقدة وغير موثوقة، وإذا فرضت العقوبات أو أعيد تجديدها فلن تلغي العقود الموقعة بالفعل، وحتى عندما كانت العقوبات سارية، استمر تقدم إيران نحو تصنيع قنبلة نووية. ويتطلب الإبقاء على الأسلحة النووية بعيداً عن أيدي إيران شيئاً أقوى، أو بالأحرى تهديداً ذا صدقية من الولايات المتحدة للرد على أي خدعة حقيقية باستخدام القوة لتدمير البنية التحتية النووية لإيران. والمصطلح المستخدم لوصف محاولة منع حدوث شيء عن طريق التهديد باستخدام القوة كعقاب هو «الردع». وهو أمر ليس غريباً على واشنطن؛ فردع شنّ هجوم سوفييتي على الولايات المتحدة وحلفائها كان هو محور السياسة الأميركية خلال فترة الحرب الباردة. وبالطبع، ستكون لردع حصول إيران على أسلحة نووية الآن وفي المستقبل بعض الخصائص المماثلة مع تلك المهمة السابقة، ولكن هناك اختلاف واحد واضح: أن الهدف من الردع أثناء الحرب الباردة كان الحيلولة دون استخدام ترسانة أسلحة معادية تتضمن أسلحة نووية، أما في حالة إيران، فسيكون الردع مخصصاً لمنع الحصول على هذه الأسلحة من الأساس. الخطر الإيراني وباستثناء نظام صدام حسين في العراق، لم تهدد الولايات المتحدة في السابق بشن حرب لهذا الغرض، وإنما سمحت في الحقيقة لعدد من الدول الأخرى بأن تصبح نووية، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي والصين وإسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية. فهل تختلف القضية الإيرانية عن تلك القضايا السابقة في طريقة تبرير التهديد باستخدام القوة لمنع طهران من الالتحاق بالنادي النووي؟ بالطبع، هناك اختلاف؛ إذ إن القنبلة النووية الإيرانية ستكون أكثر خطراً، ومنعها سيكون أكثر جدوى. كما أن الاتحاد السوفييتي والصين كانا دولتين بحجم قارة، وتجاوزا العتبة النووية قبل أن تصبح للجيش الأميركي القدرة على شنّ ضربات جوية دقيقة يمكنها تدمير البنية التحتية النووية بأقل أضرار جانبية. وأما إسرائيل والهند، مثل المملكة المتحدة وفرنسا من قبلهما، فقد كانتا صديقتين مقربتين، ولم يكن امتلاكهما ترسانات نووية يمثل تهديداً للمصالح الأميركية. وفيما يتعلق بباكستان، ففي حين تتعرض علاقات الصداقة بينها وبين الولايات المتحدة إلى فترات من الفتور، إلا أن لديها نظاماً ديمقراطياً، وقد تجاوزت العتبة النووية كرد مباشر على اتخاذ الهند لهذه الخطوة. ولا يبدو أن واشنطن راضية بشكل كبير عن ترسانتها النووية، ولكن الخطر الأكبر هو إمكانية أن تسقط هذه الأسلحة في أيدي متطرفين، حال حدوث اضطرابات داخلية، أو أن تتحول إدارتها إلى نظام مماثل للنظام الذي يسيطر على إيران في الوقت الراهن. سيناريو كوريا الشمالية وتمثل كوريا الشمالية النموذج الأقرب للحالة الإيرانية، ففي بداية عقد التسعينيات، كانت إدارة كلينتون تتأهب لخوض حرب تهدف إلى وقف برنامج بيونج يانج لتصنيع أسلحة نووية، قبل توقيع اتفاق ينص على أن الإدارة الأميركية ستضمن أن النظام الشيوعي سيفكك برنامجه. وعلى رغم ذلك استمرت كوريا الشمالية في مساعيها النووية، إلى أن نجحت أخيراً في اختبار سلاح نووي أثناء إدارة الرئيس السابق جورج بوش. ومنذ ذلك الحين، واصلت كوريا الشمالية العمل على تصغير قنابلها وتحسين صواريخها، ومن المفترض أن هدفها النهائي هو التمكن من التهديد بشنّ هجمات مباشرة على الأراضي الأميركية. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2006، كتب مسؤولان بارزان متخصصان في الأمن القومي في صحيفة «واشنطن بوست» أنه إذا تمكنت بيون جيانج من تحقيق هذه القدرات، فعلى واشنطن أن تشنّ هجوماً عسكرياً لتدميرها. وكان أحد المسؤولين هو ويليام بيري، الذي عمل وزيراً للدفاع في إدارة كلينتون، أما الآخر، فكان آشتون كارتر الذي يتولى هذا المنصب نفسه في الوقت الراهن. وبقدر سوء القنبلة النووية الكورية الشمالية، ستكون قنبلة إيرانية أشد سوءاً، ففي حالة كوريا الشمالية، كانت سياسة الردع طويلة الأمد قائمة قبل أن تحصل على أسلحتها النووية، خصوصاً مع إبقاء الولايات المتحدة على حضور عسكري قوي في زمن السلم على شبه الجزيرة الكورية بعد نهاية الحرب الكورية في العام 1953. ولهذا السبب، لم يشعر جيران كوريا الشمالية خلال السنوات التي تلت حصولها على القنبلة بالحاجة الملحة للحصول على أسلحة مماثلة، وهو أمر سيكون مختلفاً تماماً بالنسبة لدول المنطقة في حالة الانتشار النووي الإيراني، وحصول طهران على أسلحة نووية. وعلاوة على ذلك، لن تستفيد الحالة الإيرانية أيضاً من الظروف، التي ساعدت على استقرار المنافسة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي؛ لأن وجود عدد من الدول المسلحة نووياً في الشرق الأوسط، تمتلك جميعها ترسانة صغيرة وربما غير آمنة، سيكون مزعزعاً للاستقرار بدرجة خطيرة. وفي كل أزمة، سيكون لكل دولة حافز قوي لشن هجوم نووي من أجل تفادي خسارة ترسانتها النووية من جراء هجوم مباغت من إحدى دول الجوار. وبناء على ذلك، سترتفع مخاطر اندلاع حرب نووية في المنطقة بشكل كبير. ومثل هذه الحرب من شأنها على الأرجح أن تقتل ملايين البشر، ومن الممكن أن تسبب ضربة مدمرة للاقتصاد العالمي، من خلال تعطيل تدفق إمدادات النفط الضرورية من المنطقة. وإلى جانب كون امتلاك إيران لقنبلة نووية سيكون أسوأ بكثير من القنبلة الكورية الشمالية، فإن منع حدوث ذلك سيكون أسهل بكثير أيضاً، إذ كان من المحتمل أن تسبب أية ضربة عسكرية أميركية لكوريا الشمالية حرباً مدمرة في شبه الجزيرة الكورية، وكانت الجارة الجنوبية ستعاني منها بشكل كبير، بينما تقع العاصمة الكورية الجنوبية سيئول في مرمى المدفعية الكورية الشمالية. ولعل هذا هو السبب في أن الحكومة الكورية الجنوبية عارضت بقوة مثل هذه الضربة، وقد شعرت الولايات المتحدة بأنها مجبرة -حتى الآن- على احترام رغبات كوريا الجنوبية. وعلى النقيض من ذلك في الشرق الأوسط، فالدول التي قد تواجه خطر الانتقام الإيراني نتيجة توجيه الولايات المتحدة ضربة للبنية التحتية النووية، مثل إسرائيل على وجه الخصوص، أعلنت أنها على رغم عدم تحمسها لحرب مع إيران، إلا أنها لن تقف في طريق مثل هذه الضربة العسكرية. هدف محدود وردع حصول إيران على أسلحة نووية من خلال الوعيد بمنعها بعمل عسكري، إذا تطلب الأمر، أمر مبرر ومجدٍ، وضروري في الحقيقة لحماية المصالح الأميركية الضرورية في المنطقة. وكي تكون سياسة الردع مؤثرة، فستتطلب وضوحاً ومصداقية، مع معرفة النظام الإيراني الأمور التي من شأنها أن تؤجج رداً انتقامياً، وإدراك السبب المنطقي للاعتقاد بأن واشنطن ستمضي قدماً في تنفيذ تهديداتها. وأثناء الحرب الباردة، نجحت الولايات المتحدة في ردع أي هجوم من قبل الاتحاد السوفييتي على حلفائها الأوروبيين، ولكنها لم تستطع الحيلولة دون سلسلة واسعة من الاستفزازات الشيوعية. وفي عام 1954 على سبيل المثال، أعلنت إدارة الرئيس آيزنهاور عن سياسة ثأر شاملة مخصصة لردع أية استفزازات شيوعية، تتضمن حروباً تقليدية مكلفة كتلك الحرب التي اندلعت في كوريا، وذلك بتعهدها الرد بقوة مضاعفة. ولكن أي مبدأ يفتقر للمصداقية لابد من تأكيده، ومن ثم وجدت الولايات المتحدة نفسها بعد عقد كامل متورطة في حرب أخرى مماثلة في فيتنام. هدف الردع ولكن في حالة إيران، سيكون محدداً وواضحاً، وهو منع إيران من الحصول على أسلحة نووية. وعلى الرغم من ذلك، لابد أن تواكب سياسات الردع صعوبتان قائمتان بالفعل؛ إحداهما هي احتمال انتهاج إيران «تكتيكات تدريجية»، من خلال ارتكاب انتهاكات محدودة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، تؤدي في مجملها وبصورة تدريجية إلى اقتراب طهران من تصنيع قنبلة من دون اقتراف أي مخالفة تبدو خطيرة بدرجة كافية لإثارة رد حازم. وأما الصعوبة الأخرى المحتملة فهي ضعف القدرة على اكتشاف مثل هذه الانتهاكات. فالاتحاد السوفييتي السابق لم يكن ليستطيع إخفاء هجوم عابر للحدود على أوروبا الغربية، ولكن من المحتمل بشكل كبير أن تحاول إيران تطوير التكنولوجيا اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية في الخفاء - وتعتقد الولايات المتحدة أن طهران لديها سجل طويل من المراوغات- والثغرات الموجودة في شروط التفتيش المنصوص عليها في الاتفاقية تشير إلى أن تعقب كافة الأنشطة التي تقوم بها إيران فيما يتعلق بتصنيع القنبلة أمر صعب. اختبار الصدقية وأما فيما يتعلق بالصدقية، والمقصود بها إقناع الدولة المستهدفة بأنه سيتم استخدام القوة فعلاً في حالة حدوث أي انتهاك، فقد مثلت تحدياً كبيراً للولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة. فقد كان من المؤكد تماماً أن واشنطن سترد على أي هجوم سوفييتي مباشر على أميركا الشمالية، ولكن سعت الولايات المتحدة أيضاً إلى ردع أي هجوم على الدول الحليفة التي تبعد عنها آلاف الأميال، ولكن على رغم ذلك، كان أي رد يعني المجازفة باستفزاز السوفييت، ومن ثم احتمال هجوم على الأراضي الأميركية. وحتى بعض الحلفاء، مثل الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، أعرب عن تشككه في أن الولايات المتحدة كانت ستخوض حرباً دفاعاً عن أوروبا. ومن ثم دأبت الولايات المتحدة على التأكيد مراراً وتكراراً أن أميركا الشمالية وأوروبا الغربية «قرينتان» ومترابطتي المسار والمصير، وشددت دوماً على التزامها بالذود عن الأراضي الأوروبية، ووضعت جنوداً وأسلحة نووية هناك لتحفيز الشعور بوجود نية للتدخل الأميركي في أي صراع أوروبي. ومن أوجه عدة، من السهل في الوقت الراهن التهديد على نحو صادق بتنفيذ هجوم على إيران؛ خصوصاً أن إيران ربما تكون قد أخفت أو نشرت أو صنعت نسخاً مطابقة من مختلف أجزاء برنامجها النووي، وربما تبيع لها روسيا أنظمة دفاع جوي متطورة، غير أن الجيش الأميركي لديه أو يمكنه تطوير الأساليب والذخائر اللازمة لإحداث ضرر كافٍ يطيل الأمد اللازم كي تتمكن إيران من تصنيع قنبلة نووية إلى سنوات، حتى من دون استخدام أية قوات برية. وربما ينتقم الإيرانيون من حلفاء أميركا في المنطقة، سواء بصورة مباشرة أو بالوكالة باستخدام تنظيمات مثل «حزب الله» اللبناني، أو مهاجمة القوات العسكرية الأميركية، أو رعاية أعمال إرهابية ضد المصالح الأميركية. ولكن مثل هذه الردود لن تؤدي إلا إلى أضرار محدودة، وتمثل مجازفة بمزيد من العقاب ضد طهران. تردد أميركي والحقيقة أن المشكلات المتعلقة بردع حصول إيران على أسلحة نووية ليست إجرائية فحسب، وإنما هي سياسية ونفسية أيضاً، فبعد أن شاهد النظام الإيراني القادة الأميركيين يتسامحون مع التقدم المستمر نحو القنبلة النووية على مدار سنين، ثم أدركوا سعي إدارة أوباما الحثيث نحو التوصل إلى اتفاق تفاوضي بشأن برنامجهم النووي، فربما تشك طهران في أن واشنطن ستمضي قدماً بالفعل في تنفيذ تهديدها بمعاقبة أي خداع إيراني. كما أن الرئيس أوباما أصر في البداية على الموقف الأميركي الراسخ منذ زمن طويل بأنه لا ينبغي السماح لإيران بأن تكون لها قدرة على تخصيب اليورانيوم ضمن نطاق واسع، ثم تخلى عن ذلك الموقف. وتراجع أيضاً عن خطه الأحمر وتعهده بأن النظام السوري سيعاني من تبعات خطيرة إذا استخدم أسلحة كيماوية. وعلاوة على ذلك، كانت حجته الأساسية فيما يتعلق بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» أن البديل عنها هو الحرب، وهي إشارة ضمنية إلى أن العمل العسكري الأميركي ضد إيران احتمال مفزع يجب تجنبه مهما كلّف الأمر. أضف إلى ذلك أن أوباما وسلفه جورج بوش لم يردا على تدخل إيران في العراق خلال العقد الماضي، بما في ذلك دعم طهران لمليشيات ساعدت في قتل المئات من القوات الأميركية. إزالة الشكوك ويشير ذلك كله إلى أنه من أجل منع إيران من أن تصبح دولة نووية، لا بد من استكمال «خطة العمل الشاملة المشتركة» بتهديد واضح وموثوق بإمكانية اللجوء إلى عمل عسكري. وكي يكون ذا مصداقية، لا بد من التصريح بذلك علانية، ونقله بحزم. وعلى إدارة أوباما أن تعلن هذه السياسة بنفسها، وكذلك الإدارات المستقبلية، وعلى الكونجرس أن يحصّن هذه السياسات ضمن قرارات رسمية يتم تمريرها بتأييد حزبي قوي. وعلى الإدارة أن تعزز مصداقية وعيدها بزيادة انتشار القوات البحرية والجوية الأميركية في المنطقة، وزيادة نطاق وتكرار المناورات العسكرية هناك بالتعاون مع حلفائها. وكما كانت الحال في أوروبا أثناء الحرب الباردة، ينبغي أن يكون الهدف من السياسات الأميركية هو إزالة الشكوك كافة، لدى كافة الأطراف، وتأكيد أن واشنطن ستظل وفية لالتزاماتها. وقد أصبح الجدل بشأن الصفقة النووية الإيرانية محل استقطاب سياسي واسع النطاق، غير أن سياسات الردع يجب ألا تكون مثار جدل؛ لأن كافة المشاركين في مثل هذا الجدل قد وافقوا على ضرورة الحيلولة دون امتلاك إيران لقنبلة نووية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تساعد سياسات الردع القوية في معالجة بعض نقاط الضعف في «خطة العمل الشاملة المشتركة» من دون التضحية بالثوابت النافعة أو هدمها. ونظراً لأن سياسات الردع يجب أن تظل مفتوحة، فإنها ستساعد في تهدئة المخاوف بشأن شروط الاتفاق الذي سينتهي بعد عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً. ومثلما كان الوضع أثناء الحرب الباردة، لا ينبغي أن تنتهي سياسات الردع ما لم يصبح الاستغناء عنها وارداً، ولن يكون ذلك ممكناً ما لم تتوقف إيران عن أن تشكل تهديداً للمجتمع الدولي. وإذا تغيرت طهران أو سقطت، ومن ثم انتهت الحاجة إلى القلق الشديد من قدراتها ونواياها، يمكن عندئذ أن تراجع الولايات المتحدة سياساتها، وإلى أن يحدث ذلك، سيظل الردع هو السياسة التي يجب تبنيها. الصفقة تسمح لإيران بأن تبقى قاب قوسين أو أدنى من الحصول على قنبلة، لاسيما أن شروطها الخاصة بالتحقق من الامتثال ضعيفة ردع حصول إيران على أسلحة نووية من خلال الوعيد بمنعها بعمل عسكري، إذا تطلب الأمر، أمر مبرر ومجدٍ، وضروري في الحقيقة لحماية المصالح الأميركية الضرورية في المنطقة. وكي تكون سياسة الردع مؤثرة، فستتطلب وضوحاً ومصداقية، مع معرفة النظام الإيراني الأمور التي من شأنها أن تؤجج رداً انتقامياً. «الردع» أمر ليس غريباً على واشنطن؛ فردع شنّ هجوم سوفييتي على الولايات المتحدة وحلفائها كان هو محور السياسة الأميركية خلال فترة الحرب الباردة. على الإدارة أن تعزز صدقية وعيدها بزيادة انتشار القوات البحرية والجوية الأميركية في المنطقة، وزيادة نطاق وتكرار المناورات العسكرية هناك بالتعاون مع حلفائها. وكما كانت الحال في أوروبا أثناء الحرب الباردة، ينبغي أن يكون الهدف من السياسات الأميركية هو إزالة الشكوك كافة، لدى كافة الأطراف، وتأكيد أن واشنطن ستظل وفية لالتزاماتها. وقد أصبح الجدل بشأن الصفقة النووية الإيرانية محل استقطاب سياسي واسع النطاق، غير أن سياسات الردع يجب ألا تكون مثار جدل. *مايكل مانديلباوم *أستاذ السياسات الخارجية الأميركية في كلية «جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة» ومؤلف كتاب «فشل المهمة: أميركا والعالم في عصر ما بعد الحرب الباردة» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس