تواجه دولة نيبال غير الساحلية أزمة منذ شهور، ويبدو أن الأزمة لن تنتهي. فالدولة تحصل على ما يلزمها من المواد الغذائية والعقاقير وإمدادات الوقود من الهند، التي تعد الرابط البري الوحيد بهذه الدولة التي تقع في جبال الهيمالايا منذ اعتماد دستورها الجديد. وتتهم قيادة نيبال الهند بفرض حصار غير رسمي، لأن نيودلهي غير راضية عن الدستور الجديد للبلاد، الذي استغرق شهوراً لصياغته. وفي حين أن الهند تنكر هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن السبب وراء الحصار هو الاحتجاجات التي يقوم بها النيباليون من أصل هندي الذين يعيشون في المناطق الحدودية، إلا أن الدستور الجديد أثبت أنه أحدث مصدر للاستياء في البلاد، التي ضربها زلزال مدمر قبل شهور. والنيبالون من أصل هندي غير راضين عن الدستور لأنه لا يعطيهم تمثيلاً سياسياً ملائماً في البرلمان. وفي ظل الدستور الجديد الذي تم إقراره قبل بضعة شهور، تم إعلان نيبال دولة فيدرالية علمانية. كما يقسمها أيضاً إلى سبعة أقاليم. ومن الواضح أن الوضع في نيبال يدعو إلى الشفقة وفي الواقع يتعين على الهند التحرك سريعاً لحله. وأي تأخير في حل القضية سيكون له تأثير ضار على العلاقات بين الدولتين المتجاورتين. فقد تعافت الدولة الصغيرة لتوها من تأثير الزلزال الهائل الذي دمر المنازل وسبل العيش. وعلاوة على ذلك، فإن الأزمة الحالية تعطي الهند سمعة سيئة في نيبال. وقد عزز هذا الحصار الاعتقاد الحالي بأن الهند تتخذ موقف الأخ الأكبر تجاه جيرانها الأصغر وتعاملهم كتابعين. وفي خطاب متلفز أذيع مؤخراً، ذكر رئيس وزراء نيبال «خادجا براساد أولي» أن نيبال تواجه أزمة إنسانية بسبب الاضطرابات على الحدود بين نيبال والهند، وحث الهند لترفع «الحصار غير المعلن». هذا التدهور في العلاقات مع جارة قريبة هو أمر مؤسف، ولا يجلب سوى المتاعب. وأي مساحة تتنازل عنها الهند، التي لديها علاقات تاريخية وثقافية وثيقة مع نيبال، ستملأها الصين سريعاً. ونيبال، بالنسبة للهند، ليست فقط جارة بل أيضاً منطقة برية عازلة بين الهند والصين. والاضطراب في إمدادات النفط القادمة من الهند أجبر نيبال على اللجوء إلى الصين للمساعدة. وبالفعل، يعد وجود الصين المتزايد في الجوار مصدراً دائماً للقلق بالنسبة لنيودلهي. ومن أجل تأكيد الهيمنة الهندية في الجوار، تبني رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي سياسة خارجية لإعطاء أولوية لتحسين العلاقات ليس فقط مع الجيران المباشرين، بل أيضاً مع دول الجوار الممتد. ورغم ذلك، فإن نيبال تتراجع عن بعض المكاسب التي حصلت عليها من سياسة «الجيران أولا». على سبيل المثال، نتج عن هذه السياسة بوادر حسن النية، حيث قدمت الهند في وقت سابق من هذا العام لنيبال ائتمان بقيمة مليار دولار. هذا بصرف النظر عن إشراف رئيس الوزراء شخصياً على عمليات الإغاثة في أعقاب زلزال نيبال، بيد أن المشكلة الحالية أبطلت بعض من المكاسب الناتجة عن هذه الجهود المبكرة. وقد عرضت الصين الآن إمداد نيبال بالغاز الطبيعي المسال، بعد أن أهدتها الوقود لتخفيف الأزمة التي تشهدها البلاد. وقد حطمت هذه البادرة احتكار الهند لتوريد الوقود إلى نيبال. ورغم ذلك، ما بين هذه الأزمة برمتها، كان لنيبال بعض البوادر التاريخية. فقد انتخب برلمان نيبال رئيسة للبلاد لأول مرة. وفي حين أن دور الرئيس وفقاً للدستور هو دور شرفي بحت، إلا أن تعيين الرئيسة «بيدهيا ديفي بهانداري» كأول سيدة تشغل هذا المنصب رئيسة، ما زال يمثل معلماً رئيسياً في هذا البلد الآسيوي. غير أن التقارير الأخيرة الفورية الصادرة من نيبال تشير إلى أن الدولة قد بدأت تواجه الآن أزمة طبية، حيث توقفت إمدادات الأدوية. وتحصل نيبال على 60% من عقاقيرها من الهند بينما تنتج الـ 40% المتبقية. والهند في حاجة إلى أن تتخذ خطوات جادة لإيجاد طريقة ما للتأكد من عدم انقطاع إمدادات الأدوية وغيرها من الإمدادات الأساسية. ومع ذلك، فمن المعروف أن نيبال لا يمكنها البقاء على قيد الحياة دون أن يكون لديها روابط صداقة وثيقة مع الهند التي تتقاسم معها حدوداً مفتوحة، ولا يزال نفوذ الهند قوياً نظراً لوجود عدد كبير من السكان النيباليين من أصل هندي. وتمثل الجماعات الهندية العرقية 30% من مجموع السكان، وتشعر الآن أنها مهمشة. وتحتاج نيبال إلى تسوية مشاكلها مع الجماعة العرقية التي تعارض الدستور الجديد حالياً. د. ذِكْرُ الرحمن* *مدير مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي