هل يمكن اعتبار الحشد العسكري الفرنسي مُمَثلاً بحاملة الطائرات «شارل ديغول» قبالة الشواطئ السورية، وقيامها منذ فترة بطلعات فوق معاقل تنظيم «داعش»، رد فعل انتقامي للتفجيرات التي طالت فرنسا مؤخراً وأودت بحياة 134 شخصاً؟ إنه سؤال محوري حول هذا الاحتشاد الفرنسي غير المسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. ويتزامن الهجوم الفرنسي على «داعش» مع قيام المقاتلات الروسية بدك معاقل التنظيم ذاته. فهل يوجد تنسيق أوروبي روسي بهذا الشأن، خصوصاً بعد إعلان رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) أن بلاده وضعت تحت تصرف فرنسا قاعدة جوية بريطانية في قبرص؟ كاميرون أكد أنه يدعم بقوة خطوة فرنسا لضرب «داعش»، مشيراً لقناعته بـ «ضرورة قيام بريطانيا بذلك»، و«ضرورة إلحاق الهزيمة بداعش». ومن جانبه أكد أولاند على الاستمرار في ضرب «داعش»، وأن الفرنسيين سيكثفون ضرباتهم وسيختارون الأهداف التي من شأنها «إلحاق أكبر ضرر ممكن بهذا الجيش الإرهابي»، وأن «شارل ديغول» لديها تكليف واضح للضرب وبشدة ضد «داعش». لكن إذا كان هدف روسيا هو دعم النظام السوري، وبالتالي استهداف «الجيش الحر»، ألا تنشأ عن ذلك «خلطة» عجيبة من التناقضات؟! تتحدث روسيا عن قيام سلاحها الجوي باستهداف مئات المواقع يومياً في عدة مناطق من سوريا، الأمر الذي مكن الجيش السوري من استعادة بلدات في محافظة حمص. وزاد من سخونة الموقف العسكري إسقاط سلاح الجو التركي طائرةً روسيةً قرب الحدود مع سوريا، أول أمس الثلاثاء، مما قد يتسبب في ارتفاع حدة المواجهة بين روسيا والغرب، حيث طالب حلف «الناتو» بعقد اجتماع طارئ لبحث الموضوع. وجاء في الأخبار أن سفينتين حربيتين روسيتين عبرتا مضيق الدردنيل التركي، متجهتين نحو البحر الأبيض المتوسط، بينما هدد رئيس الوزراء التركي (داوود أوغلو) قائلا إن «من ينتهك أجواءنا، كائناً من كان، سيكون ردنا عليه بنفس الطريقة، وهذا حقنا المشروع». ويبدو أن الدول الأوروبية عاقدة العزم على إنهاء تنظيم «داعش» وقطع رأسه في سوريا حتى لا تتكرر الهجمات في مدن أوروبية أخرى. وتزامن الإجراء العسكري الأوروبي (مُمثلاً بفرنسا) مع إجراءات معلوماتية احترازية، كتبادل أسماء الركاب للرحلات التي تصل العواصم الأوروبية، ووقف العمل بتأشيرة «الشنجن» في بعض البلدان الأوروبية. وكانت فرنسا قد بدأت بتمرير قوانين تسمح لشركات الطيران بإيصال قوائم الركاب إلى أجهزة الأمن. ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي غير متفقة على هذه الإجراءات. وكان متحدث باسم المفوضية الأوروبية قد أعلن ضرورة وجود تشريع لمنع سفر المتطرفين داخل الاتحاد الأوروبي، وقال إن «تبادل سجلات البيانات ضروري لتعزيز أمن المواطنين الأوروبيين». الإشكالية هنا في «تمدد» تنظيم «داعش»، ما يصعب القضاء عليه في وقت قريب، خصوصاً أن أعين الأوروبيين تتجه إلى ليبيا، حيث أعلن وزير الدفاع الفرنسي (جان إيف لودريان) أهمية التوافق بين الطرفين المتحاربين هناك، «وإلا فسوف يستولي داعش على حقول النفط». ولا يمكن تناسي وجود خلايا لـ «داعش» في بعض بلدان الشرق الأوسط، تحاول إدخال المنطقة في فوضى شاملة. وسياسياً، اختتمت في بروكسل قمة أوروبية خصصت لأزمة الهجرة، حيث أعلن الرئيس الفرنسي أن «التدخل الروسي في سوريا قد يرسخ النظام، لكنه لن ينقذ بشار»، مؤكداً أهمية التوصل إلى مرحلة انتقال سياسي دون مشاركة الأسد. وهذا يعيدنا لتصريحات وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) قبل فترة حول ذات الموضوع. وتتواصل حالياً مشاورات أوروبية وشرق أوسطية، تشمل السعودية وإيران وتركيا، لدفع جهود الحل السياسي، الذي يبدو بعيداً، وفق مرجعية بيان جنيف1، حيث تخشى الدول الأوروبية مزيداً من تدفق اللاجئين السوريين نحو أراضيها، خصوصاً في ظل اتهامات من كتاب أوروبيين بأن «داعش» قد ترعرعت في ظل الاستقطاب الطائفي الإقليمي الذي سعّرته الحرب الأهلية في سوريا. الأطراف العربية متشككة حيال دخول إيران في أي ترتيبات سياسية أو أمنية تتعلق بالأزمة السورية، خصوصاً بعد عودة الدفء للعلاقات الأميركية الإيرانية، لأن إيران كانت وما زالت عنصراً مؤثراً في بقاء الأسد حتى اليوم.