تخوض دولة الإمارات معترك التنمية بعزيمة صلبة وإرادة لا تلين، وتسعى للخروج من تبعات الاقتصاد النفطي من خلال سياستها في تبني أجندات أكثر حداثة لا تقع ضمن رؤى أو استراتيجيات التنمية التقليدية. وفي كل ذلك، يبدو واضحاً أن اهتمام وتفكير قيادتنا الرشيدة يراهن على أبناء الوطن، والارتقاء بمنظومة معارفهم وقدراتهم وخبراتهم، ليتم دمجهم في منظومة سياسات تنموية تؤسس على قيم الابتكار والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة الذي بات اليوم يمثل المحور الرئيس في مضمار التنوع الاقتصادي. وقد عملت الإمارات بخطى ثابته على تجاوز التحديات التي واكبت نشأة الدولة قبل 4 عقود، كتحديات المناخ وحداثة النشأة ومحدودية الموارد الطبيعية اللازمة لإحداث التنمية بمعاييرها العالمية التي باتت الإمارات تحصد مؤشرات الريادة فيها، وصارت متفوقة فيها على دول كثيرة سبقتنا في مسيرتها التنموية بزمن مديد. إن اعتماد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، السياسة العليا للابتكار يعد بمثابة خريطة طريق وبوصلة إرشادية يسير على هديها الوطن للتحول الاستراتيجي إلى مرحلة ما بعد النفط، وضمان مستقبل واعد للأجيال القادمة في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وهي تتضمن 100 مبادرة وطنية في القطاعات التعليمية والصحية والطاقة والنقل والفضاء والمياه، ويصل حجم الاستثمار فيها أكثر من 300 مليار درهم. وتتضمن أيضاً مجموعة سياسات وطنية في المجالات التشريعية والاستثمارية والتكنولوجية والتعليمية والمالية بهدف تغيير معادلات الاقتصاد الوطني ودفعه بعيداً عن الاعتماد على الموارد النفطية، وتحقيق نقلة علمية ومعرفية متقدمة لدولة الإمارات خلال السنوات القادمة. والمجالات التي ركزت عليها السياسة العليا للابتكار مجالات حيوية واختيارها كمجالات رئيسية للاستثمار يدل على الحكمة والحنكة والعمل على أهم المجالات التي تضمن ازدهاراً في فترة ما بعد النفط. وفكر التخطيط المحكم ووضع خطوات التنمية بمنظار المستقبل والرهان على اقتصاد المعرفة ورؤى الابتكار والتكنولوجيا هو أفضل وصفة مجربة لتحقيق التقدم في أكثر دول العالم نجاحاً اقتصادياً، لأن تلك الرؤى هي المعيار الحقيقي والضامن الأكيد لتحقيق التقدم والتطور والتنمية الإنسانية باعتبارها مخزوناً استراتيجياً من الموارد لا ينضب إذا أحسنت أي دولة توظيفها في تحقيق التنمية المستدامة. إن الخطوات التي اتخذتها دولة الإمارات في طريقها نحو الاستثمار في عالم الابتكار كفيلة بضمان مستقل واعد للأجيال المقبلة، واستمرارية الرفاهية التي يعيشها شعب الإمارات من خلال توظيف الموارد المتاحة واستغلالها بالشكل الأمثل لخلق جيل مواكب للتطور التكنولوجي والمعرفي ومبتكر في الطاقة والفضاء بما يضمن حياة كريمة مستقرة لأبنائنا واستكمال مسيرة التنمية والعطاء وخدمة الإنسانية جمعاء. وقد أدركت الإمارات مبكراً ضرورة العمل على تحقيق ديمومة في مواردها، وعملت على إيجاد الخطط البديلة لتلك الفكرة التقليدية المتعلقة بتخزين الثروة النفطية تحت الأرض لمصلحة الأجيال القادمة وقد كان هذا يعد في السابق الخيار الأمثل لضمان أن تعيش الأجيال اللاحقة في مستويات الرفاهية نفسها التي تحياها الأجيال الحالية. ورأت في الاعتماد على الاحتياطيات المالية التي يتم استثمارها في صناديق الثروة السيادية لتوليد مستويات الدخل اللازم حلولاً غير كافية لوحدها في ظل سقف الطموحات المستقبلية التي تتطلع الدولة لتحقيقها، بعدما أخذت في الاعتبار أن التعداد السكاني سيكون أضعاف أعداد السكان في الفترة الحالية، ولذا فإن الرهان على اقتصاد المعرفة والابتكار يقدم بدلاً حصيفاً عن الاعتماد على ودائع قد تتناقص قيمتها الحقيقية مع الزمن، وقد تتعرض لمخاطر استثمار في ظل وجود أزمات ناجمة عن تعرض أصول تلك الصناديق لمخاطر انهيار المؤسسات التي يتم الاستثمار فيها، وخصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية، والمخاطر المصاحبة للتضخم في الدول المضيفة، حيث قد تميل القوة الشرائية لتلك الاستثمارات نحو التناقص بمرور الزمن. إن الإمارات بفضل قيادتها الرشيدة والرؤية المستقبلية باتت تحتل الصدارة في جميع المجالات وتعمل لتحقيق التنمية المستدامة لمشاريعها ومواردها الطبيعية حتى تحقق المقولة «غرسوا فأكلنا ونغرس ليأكلوا».