كان الأسبوع الماضي أسبوعاً دامياً هز العالم.. حيث ضرب تنظيم «داعش» في قلب العاصمة الفرنسية باريس، في عمليات إرهابية، مساء الجمعة 13 نوفمبر، مخلفاً 130 قتيلاً و300 جريح، مصيباً الفرنسيين والغربيين بحالة هلع. وضربت «القاعدة» أيضاً في باماكو بجمهورية مالي في هزة ارتدادية ضد فرنسا والغرب بعد أسبوع من هجمات باريس، وفي اليمن أيضاً ضد قوات الجيش اليمني، وكل ذلك خلال أسبوع. وقبلها أسقطت «داعش» طائرة ركاب روسية فقتلت 224 شخصاً، واعترفت المخابرات الروسية بأن وراء سقوطها عملاً إرهابياً. وتحملت «داعش» بالفعل مسؤوليته، وقبل ذلك ضربت «داعش» في بيروت وبغداد والكويت والسعودية وتركيا في حرب مفتوحة أعلنها التنظيم الإرهابي على الجميع.. ويبقى المتضرر الأول من إرهاب «داعش» هم المدنيون والمسلمون في الدول العربية. وكذلك المسلمون في الغرب الذين يعيشون للمرة الثانية مأساة ومعاناة ما تقوم به شرذمة متطرفة قليلة اختطفت صورة الدين الإسلامي العظيم وحولته في عقلية الغربيين إلى دين تطرف وعنف وقتل وقطع رؤوس وصدام مع المسيحية والغرب. واليوم على رغم تكرار القادة الأميركيين والأوروبيين أن حربهم هي ضد التطرف و«داعش» وليست ضد الإسلام كدين، إلا أن من يدفع الثمن هم المسلمون في الغرب، ويُضاف إليهم اللاجئون وخاصة السوريين. وللمفارقة بعدما فروا من إرهاب نظام الأسد وإرهاب «داعش» والجماعات المتطرفة، ها هم يدفعون أيضاً فواتير ربطهم بالإرهاب بعد اكتشاف جواز سفر للاجئ سوري أمام جثة أحد الإرهابيين الذين قتلوا في باريس. وقد طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة «العشرين»، التي عُقدت مباشرة بعد هجمات باريس، بتوحيد الجهود لمحاربة التطرف والإرهاب، ودافع الرئيس الفرنسي أولاند أيضاً عن شن حرب لا هوادة فيها على الإرهاب، مع إعلان حالة الطوارئ وتجديدها قبل أيام لمدة ثلاثة أشهر أخرى. وكذلك تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنه من الممكن هزيمة تنظيم «داعش» الذي بدأ يفقد قدراته، إلا أن الواقع أننا أمام حرب مفتوحة وطويلة ومعقدة وقد تمتد لعقود. واللافت أنه للمرة الأولى في التاريخ تعلن دول عظمى أعضاء في مجلس الأمن وتملك أسلحة نووية - كأميركا وفرنسا وروسيا - الحرب على تنظيم وليس دولة، وهي، بطبيعة الحال، حرب من نوع الحروب غير المتماثلة، ضد تنظيم لا يملك سلاح طيران ولا سلاح مدفعية ولا يُصنّع حتى رصاصة. وهذه الحرب غير المتماثلة في مواجهة التطرف والإرهاب ليست حرباً تقليدية بين جيوش نظامية. بل هي حرب تتطلب المزج بين القوة الصلبة العسكرية والقوة الناعمة الفكرية والأمنية والاستخباراتية. والراهن أننا اليوم في حالة حرب تطال قارات وأدياناً وثقافات.. وقد دخلنا في حرب دينية وثقافية هي أقرب إلى حرب حضارات، كما حذر من ذلك قبل عقدين ونصف العقد المفكر الأميركي الراحل صامويل هنتينغتون. ويتفاقم العنف الآن على صدع هذه المواجهات المتواصلة وصراع الحضارات والأديان، الذي يخلق الفتنة داخل العالم الإسلامي بين أغلبية المسلمين المعتدلين والأقلية الضئيلة المنبوذة المتطرفة، المؤججة للعداء والصراع مع الغرب، الذي تتصاعد معه هو أيضاً ظاهرة الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا». وهناك يوظف العداء للمسلمين ويقتات عليه بعض السياسيين للتكسب السياسي وتسجيل نقاط يطرب لها بعض الناخبين السذج في الغرب الذين لا يفقهون أكثر مما تقدمه لهم نشرات الأخبار والبرامج السياسية. ولذلك كان متوقعاً أن يصف المترشح للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري «بن كارسون» - جراح المخ المتقاعد الأسود - بعنصرية غبر مسبوقة، اللاجئين بـ «الكلاب المسعورة»! و?كان هو نفسه ?قد عبّر عن ?رفضه ?لوصول ?رئيس ?مسلم ?للبيت ?الأبيض! ?ويزايد الآن ?حكام ?نصف ?الولايات ?الأميركية ?في ?عنصرية ?بغيضة على بعضهم بعضاً في رفضهم ?لاستقبال ?اللاجئين ?المسلمين ?من ?سوريا. ?ويصوتون ?على ?اقتراح ?بقانون يضع ?قيوداً ?ضد ?استقبال ?اللاجئين. و?يتناسى ?هؤلاء ?أن ?أميركا ?في الأصل ?دولة ?من ?المهاجرين، ?ولو ?طُبقت ?هذه ?العنصرية ?في ?الماضي ?لما ?استقبلت ?اليهود ?والأرمن ?والفيتناميين ?وملايين ?غيرهم ?من مختلف أنحاء ?العالم! ?أما ?مرشح ?الرئاسة ?الأميركية الآخر ?المثير ?للجدل ?«دونالد ?ترامب» ?فقد كان، هو أيضاً، ?أكثر ?استفزازاً وعداءً ?للمسلمين ?باقتراحه ?إنشاء ?قاعدة ?بيانات ?خاصة ?بالمسلمين ?الأميركيين ?كما ?كانت ?تفعل ?ألمانيا ?النازية ?لليهود ?قبل ?حرقهم ?في ?الحرب ?العالمية ?الثانية! ?وهذه ?التصريحات ?والمواقف ?لو ?صدرت ?ضد ?أي ?أقلية ?أو ?طائفة أخرى ?في ?الغرب ?لتقدم ?مطلقيها ?بالاعتذار ?والاستقالة! وللأسف نجحت الجماعات المتطرفة بممارساتها وإرهابها وترهيبها، وما تفجره من كراهية للإسلام والمسلمين، في تسعير العنصرية و«الإسلاموفوبيا» ضد المسلمين وخاصة في الغرب.. وآخر ضحايا الإرهاب وأكثر المتضررين من تصرفات أقلية متطرفة، أجّجت أفعالها وأعمالها الكراهية ضد دين عظيم يعتنقه ربع البشرية، هم اللاجئون الذين فرضت عليهم التعميمات والصور النمطية في الغرب أن يكونوا ضحايا مرات ومرات، وأن يدفعوا ثمن صراع لا ذنب لهم فيه، لا من قريب ولا من بعيد! --------------- رئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الكويت