? تُعرّف الخصوبة على أنها القدرة على إنجاب ذرية، بينما يشير معدل الخصوبة إلى عدد الذرية التي أنجبها زوجان، أو تلك التي أنجبها شخص ما، أو المجتمع برمته. ومن المعروف أن الخصوبة ومعدلها يتأثران بعوامل عدة متداخلة ومتشابكة، مثل كمية ونوع التغذية، وهرمونات الجسم، والسلوك الجنسي، والثقافة المجتمعية، والتوقيت، والحالة الاقتصادية، ودرجة القرابة، والغريزة، ونمط الحياة الشخصية، والمشاعر والأحاسيس. لكن رغم تنوع وكثرة العوامل سابقة الذكر، فإن الطب الحديث لم يحط علماً بعد بجميع العوامل الأخرى التي تؤثر في الخصوبة، وفي معدلات الإنجاب. أغرب تلك العوامل، وأحدثها على المعرفة الطبية، ربما كان هو تأثير الإصابة بإحدى أنواع الديدان المعوية الطفيلية (الإسكارس)، والتي على ما يبدو أن العدوى المزمنة بها تزيد من معدلات الخصوبة والإنجاب. هذه الحقيقة الغريبة، هي نتيجة دراسة نشرت في العدد الأخير من الدورية العلمية الشهيرة (Science)، وقد أجريت على نحو ألف امرأة من السكان الأصليين في «بوليفيا» بأميركا الجنوبية، والذين تصيب العدوى بديدان الإسكارس 70 في المئة منهم، ويبلغ عدد أفراد الأسرة في المتوسط بينهم تسعة أشخاص. وخلصت هذه الدراسة إلى أن النساء المصابات بعدوى مزمنة بديدان الإسكارس الطفيلية، كان عدد الأطفال لديهن أكثر بطفلين في المتوسط، مقارنةً بالنساء اللواتي لم يكن مصابات بالديدان الطفيلية. وفي الوقت الذي تزيد فيه ديدان الإسكارس من معدلات الخصوبة وعدد الذرية، وجد العلماء أن نوعاً آخر من الديدان، هو ديدان «الانكيلوستوما»، له تأثير معاكس، حيث تُخفض هذه الديدان من معدل الخصوبة، وتقلل من عدد الذرية بين المصابين بها، وبمقدار ثلاثة أطفال خلال فترة الإنجاب. وأمام دهشة علماء جامعة «كاليفورنيا –سانتا باربرا» لهذه العلاقة غير المتوقعة، طرحوا تفسيراً مضمونه أن العدوى بهذه الديدان الطفيلية، ربما يُحدِث تغيرات في جهاز المناعة، بشكل يجعل الحمل أسهل في حالة العدوى بديدان الإسكارس، وأصعب في حالة العدوى بديدان الانكيلوستوما. ويأتي هذا التأثير من الطريقة التي تحاول بها الديدان الطفيلية البقاء والتكاثر داخل جسم الإنسان، ففي الوقت الذي تحاول فيه الفيروسات والبكتيريا هزيمة جهاز المناعة من خلال التكاثر المتسارع بشكل رهيب، في شكل من أشكال الانفجار السكاني الجرثومي، تسلك الديدان الطفيلية مسلكاً آخر، حيث تنمو ببطء شديد، وفي نفس الوقت تحاول تثبيط جهاز المناعة، وإحداث تغيرات تدريجية فيه تضمن لها البقاء داخل جسم الإنسان. ومن المعروف والثابت أن جهاز المناعة في جسد المرأة يشهد تغيرات ملحوظة خلال فترة الحمل، حتى لا يتم رفض الجنين، والهجوم على خلاياه وأنسجته مثله مثل أية جسم غريب. ولذا فمن أسباب بعض حالات العقم، عدم التناسق أو التناغم بين جهاز المناعة لدى المرأة، وبين الحيوانات المنوية للزوج أو مع الجنين ذاته في مراحله الأولى. ومنذ فترة والأطباء يحاولون جاهدين تطوير أدوية وعقاقير قادرة على تحوير أو تعديل جهاز المناعة للمرأة، ضمن علاج العقم باستخدام أسلوب التلقيح الخارجي -أطفال الأنابيب- إلا أن هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل. لكن إذا ما ثبت هذا التأثير، الإيجابي أو السلبي، للعدوى بالديدان الطفيلية، فقد يفتح ذلك باباً لتطوير أدوية وعقاقير تُحدث نفس النتيجة على خصوبة المرأة. الخبر الأخير الغريب والمثير في موضوع الخصوبة، هو نتائج دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة في علم مراحل النمو المبكرة للإنسان (EarlyHuman Development)، حيث خلصت هذه الدراسة إلى أن نسبة الأطفال الذكور بين المواليد في دولة جنوب أفريقيا، بعد انتهاء كأس العالم لكرة القدم عام 2010، وبتسعة شهور بالتحديد، كانت هي الأعلى على الإطلاق في الفترة من عام 2003 إلى 2014. وفسر العلماء هذه الظاهرة بأن إقامة كأس العالم في تلك الدولة التي كانت معزولة رياضياً لفترة طويلة، وتنظيم هذا الحدث الرياضي الهام لأول مرة في القارة السمراء على الإطلاق، ونجاح التنظيم والإدارة، بالإضافة إلى الأداء المتميز – نوعاً ما- لمنتخب جنوب أفريقيا، خلق حالة من السعادة والارتياح النفسي، وقلل من مقدار التوتر بين السكان، وزاد من الشعور بالإيجابية، وهو ما وثقته بالفعل مسوحات نفسية أجريت حينها. والمعروف أن الأزواج المتمتعين بحالة نفسية إيجابية، يمارسون الجنس بمعدلات أكبر، وأن ممارسة الجنس بمعدلات أعلى تزيد من احتمالات إنجاب أطفال ذكورا. لذا طرح القائمون نظرية لتفسير الزيادة في نسبة الأطفال الذكور في جنوب أفريقيا بعد انتهاء كأس العالم بتسعة شهور (1088 طفل ذكر بالتحديد) بأنها كانت نتيجة ارتفاع معنويات الرجال خلال فترة المباريات الدولية.