مرة أخرى تتعرض فرنسا لضربات موجعة، نفذها ما يعرف بتنظيم «داعش». باريس عاصمة النور العالمية التي انطلقت منها القيم الإنسانية، تتعرض لهجمات متكررة من قوى إسلامية متطرفة تملك قدرات عسكرية مهولة وأرصدة مالية ضخمة ومهارات سيكولوجية في مقاتلة أعدائها، وبفضل هذه الميزات أصبحنا نواجه ظاهرة عالمية لن تتمكن قوى التحالف الدولي أو روسيا من خلع أنيابها، بل هي تنتشر كالوباء وتجاوزت حدودها الجغرافية وتحولت إلى هم عالمي يهدد وباءه العالم. السؤال المحير كيف نمت هذه المنظمة؟ ومن يقف وراءها؟ وما أسباب تنامي ظاهرة العنف الديني؟ وهل الإسلام معني بما يحدث؟ كلها أسئلة ربما لا نملك إجابات شافية عليها، إلا أن الكثير من المتابعين يعي أن التطرف الذي يتبناه «داعش» وليد خليط استخباراتي سواء عالمي أو إقليمي، كما أن جذور الفكرة التي يقوم عليها التنظيم تستند لسياسات إسلامية رسمية بالدرجة الأولى، وتطورت وخرجت من إطار السيطرة، وباتت تهدد حتى من زرع بذورها، والخطورة تتجسد في فكرة المغامرة التي قد تدمر كل شيء، وهنا مكمن الخطر الذي علينا أن نعيه. يقف العالم الإسلامي في حيرة، ولا يملك الأسلحة سواء الفكرية أو التقليدية في الحد أو القضاء على الخطر الذي قلب موازين الاستقرار العالمي. والحيرة مصدرها عجز بنيوي يقبع في السياسات العامة التي ينتهجها البعض منا. ولا يلوح في الأفق ما يجعلنا نتفاءل، بقدر ما نلاحظ سياسات عوجاء تزيد الطين بلة. ولكي لا نتهم بالتحيز، نقول إن كل الديانات والمعتقدات جاءت لتهذيب السلوك الإنساني، وفكرة القتل والدمار ترفضها جميع الديانات البشرية، بل العنف بحد ذاته يتناقض مع صحيح الدين. إلا أن اليوم نرى الإسلام في بؤرة الاتهام، وله ما يبرره جزئياً. وما يبرر الاتهام هو حالة العجز التي تهيمن على معظم الدول الإسلامية والعربية، فكل ما تملكه لا يتجاوز الإدانة التي شبعنا منها دون فعل حقيقي وواقعي نحو طبيعة المسببات لنشوء الظاهرة الراديكالية بين المسلمين، كما أن القول بعدم تمثيل «داعش» للإسلام لا يعدو سوى محاولة للتبرئة من الإثم، فتطور سلوك التطرف كان في بعض الأحيان تحت عين السلطة، إلا أنه لم يخطر بالبال بأن يتطور الحال إلى ما وصل إليه، فهناك أخطاء متراكمة لسياسات عامة وظفت الدين دون حساب لتداعياتها المستقبلية. وفي كثير من الدول الإسلامية تم تحريم الموسيقى في المدارس مراعاة لمطالب بعض قوى الإسلام السياسي، وبل وصل الأمر إلى تكفير تحية العلم في المدارس، فكانت مطالب هذه القوى تلاقي القبول والترحيب، مما أوصل إلى قناعة بعض التيارات الدينية المتطرفة بأنها تملك القوة للقفز على السلطة. وبالتالي، فإن عملية إعادة التصحيح بحاجة إلى إرادة وشجاعة في تصحيح أخطاء الماضي، والعمل وفق رؤية تعكس نصاعة الإسلام وتنقيته من كل الشوائب التي ساهم البعض في صنعها. فالخطاب الديني ما زال متعثراً، وليس هناك جرأة في معالجة الخلل ضمن رؤية متكاملة تتصدى لظاهرة الإرهاب الذي تقوده المدارس الدينية المتوحشة التي شوهت الإسلام والمسلمين في بقاع الأرض. * مستشار منظمة اليونسكو للمنطقة العربية