يعتبر هطول الأمطار الموسمية في نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء مصدر فرح وبهجة واحتفال، لأن الأمطار الموسمية قليلة.. لذلك يفرح أهالي الخليج عندما تنزل الأمطار مبكرة في شهر أكتوبر لأن هذه الأمطار تعِد بوفرة في محصول «الفقع». أفراح الخليجيين بالأمطار لم تكتمل لأن غزارة الأمطار هذا العام أدت إلى أضرار وحالات غرق في أكثر من مدينة خليجية، حيث تعطلت الدراسة في بعض دول الخليج. لكن الكارثة الكبيرة حصلت في السعودية، حيث غرقت مدينة جدة في 22 ملم. هذه الأمطار القليلة بالنسبة للدول الآسيوية والأوروبية، كانت كفيلة بإغراق مدينة تقدر مساحتها بـ5460 كيلومتراً مربعاً لتحيل حياة نحو 3,5 مليون نسمة يسكنون ثاني أكبر مدينة في البلاد إلى وضع مأساوي حسب تقرير صحيفة «الحياة» ليوم الأربعاء 18 نوفمبر الحالي. والسؤال هو: من المسؤول عن غرق المدن الخليجية، وتحديداً جدة التي راح ضحية سيولها هذا العام 8 أشخاص؟ صحيح أن معدل الأمطار هذا العام مرتفع، لكن الصحيح كذلك أن ما حصل في جدة ليس بجديد، فهذا المشهد يتكرر منذ بعض الوقت، لكن الجديد هذا العام هو تبادل مسؤولي المدينة الاتهامات فيما بينهم؛ فأمانة جدة حمّلت المسؤولية للشركة السعودية للكهرباء، لأنها المسؤولة عن غرق سبعة أنفاق في المدينة، لافتةً إلى أن انقطاع التيار الكهربائي عن مضخات المياه تسبب في تجمع المياه. وقد ردت الشركة بأن كثافة الأمطار عطّلت المولدات. فيما كشفت مديرية الدفاع المدني في جدة عن وجود كسر في قناة تصريف السيول. ما يهمنا هنا هو أن دول الخليج العربية غنية بالأموال ولديها احتياطي نقدي كبير، وشعوبها قليلة مقارنة بدول العالم.. لكن لماذا لم نر في بعض هذه الدول بنية تحتية قوية تناسب إمكاناتها الحقيقية؟ وما هي الأسباب وراء ذلك؟ هل تعود لسوء الإدارة المحلية؟ أم إلى إهمال وفساد الموظفين؟ أم إلى عدم اكتراث الشركات العاملة في هذا المجال؟ في رأيي الشخصي أن السبب الحقيقي يعود إلى عدم وجود جهاز للرقابة الشعبية على المشاريع الحكومية المحلية. لذلك علينا أن نقر ونعترف، كشعوب وكمسؤولين في دول الخليج، بأننا نحن المسؤولين عن حالة القصور في بعض المجالات، الصحية والتعليمية وغيرها.. فنمط الدولة الريعية الخليجية خلقَ دولا قوية وشعوباً عازفة عن دورها في الرقابة. لقد مضى على التعليم في بلداننا حوالي قرن من الزمن، ولم نستطع خلق كوادر وطنية في كل المجالات الفنية والهندسية والعلمية، بل لا زلنا نعتمد على غيرنا في كل شيء. لنمارس نقد الذات في بلداننا حتى لا نغرق في «شبر ميه». ---------------- د. شملان يوسف العيسى* _ _ _ _ _ _ *أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت