أدت الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس نهاية الأسبوع الماضي، إلى جعل الحكومات، على جانبي الأطلسي، التي كانت مترددة بالفعل في قبول اللاجئين الفارين من جحيم «داعش» في سوريا، تتحول إلى المعارضة الصريحة لقبولهم. فالحكومة البولندية الجديدة، على سبيل المثال، قالت إنها لن تلتزم باستضافة المزيد من طالبي اللجوء، كما أعلن 23 من حكام الولايات الأميركية، أنهم لا يحبذون فكرة قبول مهاجرين أيضاً، وأنه حتى إذا لم تكن لدى حكومات ولاياتهم السلطة لرفض أناس من دولة بعينها، فإنهم قادرون على جعل حياة اللاجئين صعبة، إلى درجة تجعلهم يتمنون لو لم يأتوا إلى الولايات المتحدة من الأساس. والسؤال هنا: هل سيؤدي عدم السماح للاجئين بالدخول إلى تلك الدول، إلى جعل مواطنيها أكثر أماناً؟ هذا سؤال عويص، والإجابات عليه تختلف من منطقة إلى أخرى. فهناك قليل من الخبراء الذين يرفضون الفكرة القائلة بأن في إمكان الإرهابيين إخفاء أنفسهم وسط حشود كبيرة من اللاجئين في بعض المناطق. وفي الآن ذاته، نجد عدداً آخر أقل من الخبراء، يعتقد أن إغلاق الحدود يمكن أن يمنع وقوع هجمات إرهابية مستقبلاً. ومن هؤلاء «جان جيرهارد»، المحلل لدى شركة «آي. إتش. إس» للأبحاث العالمية الذي يقول إن: «معظم اللاجئين الذين يأتون إلى أوروبا يفرون للأسباب ذاتها التي تجعل المجتمعات الأوروبية معرضة للخطر في الوقت الراهن. وفي رأيي أن الخطر الأكثر جسامة حالياً يأتي من جانب الأشخاص المقيمين بالفعل في دول غرب أوروبا». فهؤلاء الناس إما مهاجرون سابقون، أو مواطنون أصليون أتيح لهم على نحو ما الاتصال بالأجندة الإرهابية، ويستجيبون لنداءات بشن هجمات بمفردهم، أو السفر للخارج لتلقي تعليمات بشن هجمات. وبهذه الطريقة ذهب المئات من الأوروبيين إلى سوريا والعراق للتدرب كـ«جهاديين»، ولم يجدوا صعوبة بعد ذلك في العودة مرة أخرى إلى أوروبا من خلال وسائل تقليدية (كركوب طائرة مثلًا). وعلى النقيض من ذلك، ووفقاً لـ«كونسورتيوم بحوث وتحليل الإرهاب» (TRAC) لم يزد عدد السوريين، الذين اعتقلوا للاشتباه بارتباطهم بجماعات إرهابية عن تسعة أشخاص، من بين ما يقرب من 4 ملايين لاجئ انتهى بهم المطاف في دول مجاورة لبلدهم، أو في أوروبا. ويقول «فريان خان» مدير تحرير «الكونسورتيوم» إن: «الإرهابيين ليسوا مضطرين لاستخدام الطرق وخطوط السير التي يستخدمها المهاجرون عادة». والوضع في الولايات المتحدة مختلف بسبب البعد الجغرافي، مما يجعل الوصول إليها من الشرق الأوسط أمراً أكثر صعوبة وتكلفة. وبالمقارنة بالحجم الإجمالي لسكانها، فإن الولايات المتحدة لديها عدد أقل بكثير من أوروبا من جيوب المهاجرين الكبيرة المعزولة التي تميل الأفكار الراديكالية عادة إلى التجذر في صفوفها. وهذه الحقيقة تجعلها بالتبعية، أكثر أماناً، وإن بقدر قليل، من الدول الأوروبية. وليس من الواضح أن رفض قبول اللاجئين السوريين يمكن أن يغير من ذلك الوضع. فعلى العكس من الدول الأوروبية، التي أُجبرت على إنهاء معاملات اللاجئين بسرعة شديدة، للحيلولة دون تكون مستوطنات منهم على الحدود، يوجد لدى الولايات المتحدة نظام تدقيق صارم لطالبي اللجوء، يحتاج إلى سنوات حتى تتم إجراءاته، كما توجد لديها تدابير لمكافحة الإرهاب أكثر صرامة بشكل عام. وتقول «كاتي لونج»، أستاذة وخبيرة الهجرة في معهد ستانفورد للدراسات الدولية، إن: «الولايات المتحدة لديها نظام فعال لإعادة التوطين أثبت كفاءته خلال العقود الأخيرة». وتضيف أن: «المشكلة الأكثر خطورة بكثير بالنسبة للاجئين، تظهر عندما لا تتم إعادة توطينهم، ويتركون في معسكرات لجوء في دول الجوار، حيث يصبحون أكثر تعرضاً للأفكار المتشددة، وبالتالي أكثر قابلية للتحول إلى متطرفين». وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي إغلاق الطرق الرسمية للهجرة، إلى دفع اللاجئين لاتباع طرق ومسارات هجرة غير شرعية يسيطر عليها الإرهابيون عادة، ويستطيعون من خلالها تحقيق أرباح طائلة تصل إلى مئات الملايين عن طريق العمل في مجال تهريب الناس عبر الحدود. وتصف «لونج» مقترحات رفض اللاجئين السوريين بأنها تتنافي مع الحس السليم، لأن هؤلاء الناس يفرون من صراع، وهو ما يعني أنهم سيغادرون عندما ينتهى هذا الصراع، وأن السؤال المهم في الوقت الراهن هو: كيف يفعلون ذلك بأكثر الطرق أماناً؟ وتضيف: «بمجرد وصول اللاجئين، يصبح التحدي هو إسكانهم في بيئة يشعرون فيها بالاستقرار، ولا يميلون لعزل نفسهم عن المجتمع المضيف». وحتى الآن لم تتحول هذه إلى مشكلة في الولايات المتحدة: فمن بين ما يقرب من 784 ألف لاجئ استقبلتهم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم يتم القبض سوى على ثلاثة أشخاص فحسب بتهمة التخطيط لتنفيذ أنشطة إرهابية. ليديا ديبيليس: كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»