ما الذي يمكن أن يساعد في تغذية انتشار وضمان ديمومة «هبّة الترويع» (التي تتميز بنشرها الخوف في الوسط الصهيوني أكثر من أي وقت مضى) والتي يقودها جيل فلسطيني جديد يتحرك خارج الأطر الفصائلية؟ وما هي هذه العوامل التي تصب في طاحونة «الهبّة»؟ من هذه العوامل على الصعيد الإسرائيلي: أولا؛ وجود إجماع على قاعدة كون الدم يستولد دماً، خاصة حين تصر الدولة الصهيونية على الحل الأمني العسكري ولا تطرح حلولا سياسية، بل إصرار الطغمة الإسرائيلية الحاكمة، المصابة بسعار يميني دموي، على تصعيد الإجراءات العقابية ضد الفلسطينيين ومنها الإعدامات الميدانية لمن حاول الطعن ولمن لم يحاول. ثانياً؛ تجاهل الدولة الصهيونية لكل مبادرات السلام وإدارة ظهرها للقانون الدولي، فإسرائيل مقتنعة بأن هذا القانون يسري على كل دول العالم باستثنائها، وأنه يحق لها القتل والتدمير بذريعة حماية أي من جنودها أو «مواطنيها». ثالثاً؛ تكثيف النشاط الاستيطاني وزيادة هجمات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وشواهد الحرق والقتل والإيذاء للبشر وللشجر وللحجر متكاثرة. وقد نفذ معظمها بحماية جيش الاحتلال، فيما بعضها الآخر كان يمر من دون عقاب أو محاسبة. رابعاً؛ تنظيم الحكومة، بحراسة قوات الاحتلال، اقتحامات «المستوطنين» والحاخامات ووزراء إسرائيليين للحرم الشريف، وتمويل ذلك وتشجيعه، فيما مُنع الكثير من المسلمين من الوصول، مع محاولات تقاسم الأقصى زمانياً ومكانياً. خامساً؛ إقرار الحكومة الإسرائيلية رزمة من القوانين العنصرية، من أبرزها وأحدثها قانون الحبس لأطفال الحجارة وسحب الهويات من المقدسيين. أما العوامل التي تغذي «الهبة» أو يمكن أن تغذيها فلسطينياً فهي الآتية: أولا؛ استمرار انسداد الأفق السياسي الفلسطيني، فخيارات السلطة الفلسطينية محدودة جداً إن هي بقيت ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، الأمر الذي يجعلها تراوح مكانها، فلا هي تحرز تقدماً، كنتيجة لهذه الاتفاقيات، ولا هي استطاعت تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. ثانياً؛ تطبيق قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، والمتوقع حدوثه قريباً، لاسيما بعد اقتناع القيادة الفلسطينية بعدم جدواه في ظل الحقائق القائمة. فإسرائيل هي من يمارس مختلف أنواع المقارفات أحادية الجانب، متجاهلةً شروط التنسيق الأمني. ثالثاً؛ إن سقطت ذرائع رافضي العودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وإن اتفقوا على المقاومة والصمود والتمسك بالبرنامج الوطني الفلسطيني (برنامج الحد الأدنى على الأقل). رابعاً؛ سيترتب على كل ذلك، بل يتوجب انطلاقاً منه، دعم السلطة الوطنية «الهبّة»، كما فعلت خلال الانتفاضة الثانية في عام 2000، لوضع إسرائيل أمام واقع فلسطيني مغاير، ووضع العالم أمام مسؤولياته في إنهاء الاحتلال والسماح للشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. خامساً؛ لقد كشفت «الهبّة» عن متغيرات عميقة طرأت على المجتمع الفلسطيني، على رأسها غياب نفوذ الفصائل وتراجع دورها في قيادة أي حراك، وعليه فقد بات مأمولا من الفصائل الفلسطينية الإصغاء جيداً للشباب والمشاركة بوعي وبذكاء في «الهبّة» الفلسطينية والعمل على ضمان ديمومتها. أما العوامل المغذية على الصعيد العربي والإسلامي فهي: أولا؛ صحيح أن دولا عربية عديدة تعيش حروباً أهلية وأوضاعاً أمنية متوترة، لكن ملفات القضية الفلسطينية الغائبة، وعلى رأسها ملفات القدس، والأسرى، والمصالحة الوطنية.. يجب أن تستعيد أهميتها في الأجندات العربية والإسلامية. كما يجب استرداد حقيقة كون القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين المركزية، وبالتالي استعادة الدور العربي في دعم نضال الشعب الفلسطيني لتحرير، ولو جزء من أرضه المحتلة عام 1967. ثانياً؛ وقف التطبيع المجاني مع الدولة الصهيونية. فاللغة الوحيدة والمناسبة مع الاحتلال هي وقوف الدول العربية والإسلامية شعوباً وحكومات مع الشعب الفلسطيني وعدم الخضوع للابتزاز الصهيوني والغربي لفتح القنوات معه في ظل استمرار الدولة الصهيونية في «الاستيطان» وتهويد القدس وعدم احترامها لسيادة الدول العربية وتهديد أمنها القومي. ثالثاً؛ التحرك في المنابر الدولية بما يساعد على رفع معنويات المنتفضين. وأخيراً فيما يتعلق بالعوامل على الصعيد الدولي فإن أهمها: أولا عدم قيام المجتمع الدولي (وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية) بواجباته واحترام قرارات الأمم المتحدة وتوصياتها بشأن حماية الفلسطينيين تحت الاحتلال، مما يزيد من الاحتقان ويؤجج نار «الهبّة». ثانياً كما أن عدم ممارسة الضغط الكافي على حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لإجبارها على الالتزام بقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية في تعاملها مع الفلسطينيين والكف عن سياساتها التوسعية العنصرية الاستعمارية «الاستيطانية» يوجه الرياح إلى أشرعة سفينة «الهبّة». فهل تسهم «الهبّة» في إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني والعربي والإسلامي وصولا إلى تغيير حالة الغياب الدولي، والدفع بالتالي إلى تحقيق التسوية المطلوبة راهناً، رغم أنها -بالمقاييس القانونية الدولية- غير عادلة.