ظل اليمين الإسرائيلي يزرع الخوف من العرب والمسلمين وسط كل مشاهد الفزع التي تتالت على المنطقة العربية وعلى العالم خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين بسبب الغزوات الخارجية أو عمليات الإرهاب. كان لهذا الزرع المقيت هدفان الأول إسدال ستار دخان يخفي المسؤولية الإسرائيلية عن مخطط قضم وهضم الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقتل عملية السلام، والثاني وصم كل العرب وكل المسلمين بصفة الإرهابيين. والهدفان معاً يتم توظيفهما عن طريق آلة الإعلام والعلاقات العامة الإسرائيلية لإقناع العالم بقبول الأمر الواقع المتمثل في استمرار الاحتلال والاستيطان باعتبارهما الحل النهائي للصراع مع العرب. لقد امتلك بعض الإسرائيليين من المعارضين لحكم اليمين الشجاعة ليعلنوا أنهم ضد هذه السياسة التي ينتهجها نتنياهو، بل وقالوا بصيغ مختلفة إن الأوروبيين على حق في قرار وضع علامات مميزة لمنتجات المستوطنات. جاء هذا في المؤتمر الذي انعقد تحت عنوان «إسرائيل من أجل السلام» وشارك فيه عدد كبير من معارضي نتنياهو. لقد تناولت زعيمة «حزب ميرتس»، زهافاه جلاءون، حالة الهستيريا التي تبديها أحزاب اليمين في مواجهة القرار الأوروبي وهي الحالة التي تصل بأصحابها إلى اتهام أوروبا بمعاداة السامية! قالت زهافاه: لماذا يشعر هؤلاء بالدهشة من القرار الأوروبي؟ وهل كانوا يتوقعون أن يستطيعوا إقناع الأوروبيين بأن الاحتلال عمل مشروع؟ وقالت عن مشروع الاستيطان إنه مشروع قمعي. أما المحلل بولي برونشتين فقد طرح مسألة رضاعة الخوف التي يقوم بها نتنياهو، والذي قال عنه إنه يخاف من الجميع وهو يقوم بنقل عدوى الخوف إلى الشباب. وطالب برونشتين الحضور بأن يروا ويسمعوا نتنياهو وهو يتحدث إلى أطفال الصف الأول بإحدى المدارس في الأول من سبتمبر ويقول لهم إن العرب يريدون قتلكم، وأضاف برونشتين قائلاً: ادخلوا على صفحة نتنياهو على الفيس بوك وستعلمون لماذا يرضع الأطفال الإسرائيليون الخوف، ولماذا لم يعد السلام مع الفلسطينيين خياراً عندهم. هنا نلاحظ أن رضاعة الخوف أصبحت البضاعة السياسية التي يحاول نتنياهو تسويقها داخل إسرائيل، وأن جهوده في هذا الصدد قد تزايدت في الفترة الأخيرة. لقد اخترع نتنياهو كذبة كبرى حاول بها تزييف التاريخ منذ أسابيع عندما زعم أن هتلر لم يكن ينوي إبادة اليهود وأن مَن أقنعه بذلك هو الحاج أمين الحسيني مفتي القدس! كانت الكذبة التي فنّدها المؤرخون الإسرائيليون ترمي إلى زرع الخوف عند الإسرائيليين من العرب وبالتالي قبول سياسته التي كان يحاول تطبيقها في المسجد الأقصى والمعروفة بالتقسيم الزمني. إن نزوع اليمين الإسرائيلي إلى تغطية أطماعه العدوانية والتوسعية برضاعة الخوف تمتد إلى تصوير كل شاب فلسطيني يرفض الاحتلال ويبدي مقاومته على أنه إرهابي يسعى إلى سفك دماء اليهود شأنه شأن أعداء السامية في أوروبا الذين كانوا يضطهدون اليهود بسبب ديانتهم في العصور الوسطى. إن هذه البضاعة الرخيصة التي يسوقها اليمين الإسرائيلي تتعرض للتفنيد من عقلاء الإسرائيليين ليس فقط في أوساط اليسار بل أيضاً داخل الأجهزة الأمنية. فقد قدم رئيس جهاز أمان للمخابرات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي تقريراً رسمياً يفيد أن «موجة الإرهاب» ناتجة عن مشاعر الغضب وخيبة الأمل بين الشباب الفلسطيني اليائس من إيجاد حل للوضع القائم. إن هذا اعتراف مخابراتي يأتي طبعاً على استحياء بأن استمرار الاحتلال والاستيطان هما بسبب الغضب الفلسطيني وأن خوف الإسرائيليين يمكن أن ينتهي بانتهاء الاحتلال.