يأتي الهجوم الإرهابي المرعب الذي ضرب باريس، وبعد انتشار تكهنات قوية بأن يكون تنظيم «داعش» وراء تفجير طائرة الركاب الروسية في سيناء، وعلى خلفية الصراع في سوريا والعراق، ليطرح سؤالاً محورياً مؤداه: متى يمكن للولايات المتحدة أن تستشعر الضرورة العاجلة لاستخدام قوات برية حقيقية من أجل وضع حدّ للأخطار التي يتسبب بها التنظيم؟ والآن، وبعد انقضاء ما يزيد على 18 شهراً من اللجوء إلى أنصاف الحلول، بات من الواضح أن القضاء على «داعش» لن يتحقق في غياب قوات برية من النخبة يمكنها استكمال نتائج الضربات الساحقة للقوات الجوية. وليس من الضروري أن تكون تلك القوات كبيرة العدد. ويمكننا أن نتذكر أن القوة الأميركية المهاجمة التي شاركت في المعركة الكبرى خلال حرب العراق الثانية وتكفلت باحتلال الفلوجة عام 2004، كانت تتألف من ثماني كتائب فقط، وكان عدد جنودها وضباطها يتراوح بين 7 و8 آلاف. وليس من الضروري أن يكون كل الجنود المشاركين في المعارك الأرضية من الأميركيين، حيث يمكن للفرنسيين وبقية الجنود الغربيين من ذوي التدريب العالي أن يكمّلوا القوات الأميركية بالإضافة لتشكيلات مختارة من سوريا والعراق. ولكن، ومن دون وجود القوات البرية الأميركية على أرض المعركة لا يمكن تحقيق الانتصار، وسيتمكن تنظيم «داعش» من فرض إرادته ومواصلة هجماته المضادة. وحتى بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له باريس يوم الجمعة الماضي، لم تصدر أية مؤشرات عن إدارة البيت الأبيض أو المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، ولا حتى عن المحللين والخبراء، تفيد بأنهم فهموا هذا الحقائق. وهذا الموقف يمثل صدمة حقيقية. ولقد طالب كل من «جيمس ستافريديس»، القائد العام الأسبق لقوات «الناتو»، و«جون كاسيتش» حاكم ولاية أوهايو، حلف «الناتو» بتحمل مسؤولياته ضد الحملة الإرهابية، التي يقودها تنظيم «داعش». واقترح مرشحون «جمهوريون» للانتخابات الرئاسية تنفيذ هجمات جوية أكثر قوة. وكان السيناتور «ليندسي جراهام» أكثر وضوحاً عندما طالب بإشراك قوت برية أميركية ضخمة في قتال «داعش». والسؤال المطروح الآن: لماذا لم تحظَ العمليات العسكرية التقليدية ذات التأثير الواضح في سير المعركة بما تستحقه من نقاش؟ يكمن الجواب في أن الإدارة الأميركية الحالية ترفع شعار «لا حل عسكريا لأي مشكلة». وأيضاً لأن العديد من الأميركيين، وربما الحلفاء الأوروبيون، يعتبرون العمليات العسكرية وخاصة منها العمليات البرية في الشرق الأوسط تقود إلى نتائج عكسية في أفضل الأحوال، وإلى الكوارث الحقيقية في أسوئها. وربما يفسر هذا الموقف السبب الذي جعل مجلس العموم البريطاني يدعو لإنهاء عملياته العسكرية في سوريا. وحتى قبل هجمات باريس، أظهرت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الأميركيين يشعرون بخيبة أمل من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش»، وهم يرون أن التنظيمات الإسلامية المسلحة تمثل خطراً كبيراً على الرغم من أن نصف الذين استطلعت آراؤهم يعارضون إرسال قوات برية للاشتراك في حربي العراق وأفغانستان. ومن الواضح أن هذا الموقف ناتج عن فشل التدخل الأميركي في الصومال وبيروت وفيتنام. وتكمن المشكلة في أن المنطق الذي يستند إليه هؤلاء يتغافل عن الأسباب الحقيقية، التي أدت إلى الفشل في كل من هذه الحالات. جيمس جيفري* ــ ـ ــ *السفير الأميركي الأسبق في العراق وتركيا وألبانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»