للمرة الأولى في التاريخ، أقامت منظمة الصحة العالمية، والعديد من المؤسسات والجهات الأخرى الناشطة في مجال الصحة الدولية، فعاليات وأنشطة بدأت منذ السادس عشر من الشهر الحالي، وستستمر حتى الثاني والعشرين منه، ضمن الأسبوع العالمي للتوعية حول المضادات الحيوية (Antibiotic Awareness Week)، بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة عن هذه الطائفة البالغة الأهمية من العقاقير الطبية، والتحذير من عقبات إساءة استعمالها على مستقبل الرعاية الصحية. وتأتي فعاليات هذا الأسبوع، على خلفية تزايد القلق والمخاوف من انتشار وتعاظم قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية المستخدمة في علاج أنواع كثيرة من العدوى البكتيرية، وما سيكون لهذه الظاهرة من تداعيات خطيرة على الجنس البشري، وضرورة إيجاد طرق جديدة ووسائل مبتكرة لمجابهة اتجاه الظاهرة. هذا الموقف برمته عبر عنه خطاب مفتوح، أرسلته عملاق صناعة الأدوية (Astra Zeneca)، إلى جريدة «فايننشال تايمز»، ووقع عليه ممثلو المنظمة الجامعة للشركات ومراكز الأبحاث العاملة في مجال التقنية الحيوية في بريطانيا (BioIndustry Association). وتضمن هذا الخطاب بعض التوقعات الصادمة، مثل التوقع بأن تكلفة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ستؤدي إلى وفاة عشرة ملايين شخص بحلول عام 2050، حيث ستصبح الإجراءات والتدخلات الجراحية الروتينية، والعلاج الكيماوي للأمراض السرطانية، ونقل وزراعة الأعضاء، وحتى الولادة، إجراءات خطرة قد تودي بحياة المريض بسبب العدوى الثانوية التي قد تصاحبها، وعجز المضادات الحيوية حينها عن علاجها. ويقدر أيضاً أن هذا السيناريو، سيكلف الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار بحلول عام 2050. ويعود أصل المشكلة إلى حقيقة أن المجتمع العلمي، فشل خلال العقود الأخيرة في اكتشاف أو تطوير أنواع جديدة من المضادات الحيوية، حيث تم اكتشاف أحدث وآخر مجموعة من المضادات الحيوية منذ نحو ثلاثين عاماً. ومما زاد الطين بلة، أن العديد من شركات الأدوية الكبرى، انسحبت تدريجياً من مجال اكتشاف وتطوير مضادات حيوية جديدة، بعد أن ظهر مدى ارتفاع تكلفة الأبحاث في هذا المجال، وضعف العائد والربحية. هذه الفجوة أو الهوة في مجال اكتشاف المضادات الحيوية، خاصة ما يتعلق بالاستثمار المطلوب والعائد المتوقع، لا تزال تشكل أكبر عقبة في تطوير أنواع جديدة. ولذا يطرح الخطاب سابق الذكر، فكرة تتردد منذ فترة، بضرورة التدخل الحكومي وبالاعتماد على المال العام أو أموال دافعي الضرائب، لتحفيز شركات الأدوية وتأمين استثماراتهم في مجال اكتشاف وتطوير المضادات الحيوية. هذا التدخل قد يأخذ شكل تمويل (صندوق ابتكار) بقيمة ملياري دولار على فترة خمس سنوات، يخصص معظمه للأبحاث الأساسية والأكاديمية، التي تجريها الجامعات وشركات «البيوتكنولوجيا الصغيرة»، ويمكن أن يكون هذا التمويل من خلال شركات الأدوية الكبرى نفسها، على أن تستفيد مالياً من الاكتشافات التي تحققها المراكز البحثية في الجامعات، أو مختبرات الشركة الصغرى، انطلاقاً من حقيقة أن العديد من الأدوية والعقاقير الحديثة لم تكتشف في معامل الشركات العملاقة، وإنما في أروقة المراكز البحثية والجامعات، ومختبرات الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. ومن الأفكار الأخرى المطروحة، أن توفر الحكومات ما يشابه وثيقة تأمين لشركات الأدوية، تدفع من خلالها سعر ثابت ومحدد سابقاً لأي من المضادات الحيوية التي يتم اكتشافها، وهو ما يضمن للشركات المصنعة عائداً وربحاً على اكتشافاتها، ويحفزها على العودة للاستثمار في مجال أبحاث المضادات الحيوية في ظل ضمان العائد والربح في حالة النجاح وتحقيق الاختراقات. ولكن مثل هذه الأفكار التي تدور حول الجانب الاقتصادي الربحي في مجال صناعة المضادات الحيوية، لا يجب أن تلهينا عن الحقيقة الأساسية في أن إساءة استخدام المضادات الحيوية، والإفراط في استعمالها، هو السبب الرئيسي في نجاح البكتيريا في مقاومتها. فرغم أن نجاح البكتيريا في توليد مقاومة ضد المضادات الحيوية هي عملية طبيعية متوقعة، إلا أن إساءة استخدام المضادات الحيوية، يسرع من هذه العملية، ويوسع من مداها وتبعاتها. وهو ما يسلط الضوء على أهمية نشر الثقافة الصحية بين العامة حول كيفية الاستخدام السليم، لواحد من أهم الأسلحة في ترسانة الطب الحديث، وأن يتم التأكيد مراراً وتكراراً على أفراد الطاقم الطبي أيضاً، بعدم الإفراط في وصف المضادات الحيوية، أو اللجوء دائماً لأحدث وأقوى الأنواع لعلاج أنواع العدوى البسيطة، أو وصفها في حالات العدوى الفيروسية التي لن تجدي المضادات الحيوية معها نفعاً، لمجرد إرضاء المريض، أو خوفاً من حدوث عدوى ثانوية لاحقاً.