مر يوم التسامح العالمي الاثنين (16 نوفمبر) واحتفل العالم به وسط أجواء ملبدة بغيوم التطرف والتعصب والكراهية والعنف تسود عالم اليوم. في يوم الاحتفال العالمي بالتسامح دول عديدة، أبرزها فرنسا، منشغلة بدفن موتاها وتضميد جراحها إثر الاعتداءات الإرهابية التي ضربتها وأودت بحياة العشرات من الضحايا الأبرياء والمئات من الجرحى الذين شاء حظهم العاثر أن يكونوا في مسارح تلك الحوادث. قبل 19 عاماً اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم التسامح العالمي ليكون يوماً تحتفل به كافة الدول الأعضاء، في كل عام بهدف تعزيز وترسيخ مفهوم التسامح في البنية المجتمعية لتلك الدول، كثقافة عامة تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم بعضهم ببعض، والمجتمعات بعضها ببعض، انطلاقاً من أن التسامح ضرورة لبقاء الإنسانية وتطورها في عالم يزداد اتساعاً وثراءً وتنوعاً، كل يوم بل كل ساعة يواجه تحديات حقيقية تهدد سيادة معاني التسامح وانتشارها، كما جاء في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة. وبطبيعة الحال، وطبقاً للمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، فإن: «التسامح ليس فطرة يولد بها الإنسان، بحيث نجد إنساناً أو شعباً متسامحاً وإنساناً أو شعباً غير متسامح بفطرتهما، التسامح ممارسة عملية من الدرجة الأولى، وحصيلة لأسباب موضوعية قبل أن يصبح قيمة مجردة، وقد نجد فرداً أو شعباً متسامحاً في لحظة من حياته، وأقل تسامحاً في لحظة أخرى». لذلك يبقى السؤال الأهم: كيف نحتفل سنوياً بيوم التسامح بما يرسخه ويعززه في مجتمعاتنا؟ كيف تستطيع مجتمعاتنا تجاوز «ثقافة الكراهية» لتكريس «ثقافة التسامح» عبر خطوات عملية ملموسة؟ كيف نرسم «خارطة طريق» لتعزيز التسامح في السلوك والعلاقات المجتمعية، سواء في النطاق الداخلي أو العربي أو الإقليمي أو الدولي؟ إن التسامح محصلة عمل دؤوب على مستويات الدول والمجتمعات في تغيير الثقافة المجتمعية، لذلك علينا إعادة النظر في المفاصل الأساسية الحاكمة لهذه الثقافة وأبرزها: المفصل التربوي: وهو البداية الحقيقية لتعزيز التسامح؛ في تسامح الأبوين، وأفراد الأسرة مع بعضهم ومع الجيران ومع الخدم. المفصل التعليمي: للبيئة التعليمية الشاملة (المنهج، المعلم، النشاط) دور بارز في تكريس ثقافة التسامح، فالتعليم- وبخاصة المعلم- رافد عظيم لثقافة وقيم التسامح، والمنهج القائم على الفكر النقدي، عامل قوي في التحصين من الفكر الظلامي. المفصل الديني: الخطيب الديني المتسامح والعذور للناس، خير مُعين على غرس ثقافة التسامح، عليه أن يكون داعية للخير وباعثاً على الأمل، وبصفة خاصة لدى الشباب. فلا يجوز أن نتسامح مع الخطيب الديني الذي يدعو بهلاك الأمم الأخرى من على منابرنا (بيوت الله تعالى) أو يدفع شبابنا للهلاك تحت اسم الجهاد والجهاد منه براء. المفصل الإعلامي: على الإعلام أن يكون متوازناً، فيركز على «القواسم المشتركة» بين الأديان والمذاهب والثقافات، بهدف ترسيخ ثقافة التسامح الديني والسياسي بين طوائف المجتمع، وبين الشعوب المختلفة. المفصل التشريعي: ينبغي الحرص على تنقية تشريعاتنا من التمييز الديني أو المذهبي أو الطائفي أو الجنسي أو العرقي أو القبلي، إذ لا يمكن لثقافة التسامح أن تترسخ، إذا كان قطاع مجتمعي يعاني هضماً في حقوقه. المفصل السياسي: على الدولة وضع استراتيجية وطنية لتعزيز التسامح واحترام التعددية وقبول الآخر، وعليها أن تكون قدوة في التسامح السياسي والديني والاجتماعي بين حكومات المجتمع وأطيافه المختلفة. -------------------- *كاتب قطري