أظهر تقرير صدر عن منظمات ووكالات الأمم المتحدة، ونشر في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة «The Lancet»، انخفاضاً بمقدار النصف تقريباً -44 في المئة بالتحديد- خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية، في عدد الوفيات بين الأمهات أثناء الحمل، وخلال فترة الستة أسابيع التي تعقب الولادة، حيث توفيت في عام 2015 نحو 303 آلاف امرأة، مقارنة ب532 ألف امرأة في عام 1990. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض الملحوظ في عدد الوفيات بين الأمهات يشكل تقدماً هائلاً، إلا أنه لم يحدث بشكل متساوٍ أو متعادل بين شعوب ودول العالم المختلفة. ففي الوقت الذي سجلت فيه 39 دولة تقدماً ملحوظاً على صعيد خفض الوفيات بين الأمهات، نجحت 9 دول فقط منها في بلوغ الهدف المحدد. وتحملت الدول النامية والفقيرة العبء الأكبر من الوفيات بين الأمهات أثناء الحمل وبعد الولادة، أو بالتحديد 99 في المئة من هذه الوفيات، بينما وقع 1 في المئة فقط من هذه الوفيات في الدول المتقدمة والغنية. وللأسف، لا يتوقع في المستقبل القريب أن تنجح العديد من الدول في تحقيق أي تقدم يذكر، وربما حتى يحتمل أن يحدث تراجع في ما تم تحقيقه حالياً من نجاح، وأن تعود معدلات الوفيات بين الأمهات للارتفاع مرة أخرى خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، إذا لم يتم رفع أعداد القابلات، وبقية أفراد الطاقم الطبي الذين يتمتعون بالمهارات والمعرفة الأساسية بالتوليد، وبالعناية بالأم ومولودها الجديد. ويشير مصطلح وفيات الأمهات، وهو ترجمة لمفهوم «maternal death»، إلى وفاة المرأة أثناء مراحل الحمل، والولادة، وفترة النفاس. فحسب منظمة الصحة العالمية تُعرّف وفيات الأمهات على أنها «الوفاة التي تحدث لامرأة أثناء حملها، أو خلال 42 يوماً بعد انتهاء الحمل، بغض النظر عن فترة أو مكان الحمل، أو وفاتها لأي سبب ناتج عن الحمل ذاته، أو من جراء تفاقم سبب آخر مرتبط بالحمل، أو نتيجة العناية الطبية التي تتلقاها المرأة أثناءه، مع استثناء الوفيات الناتجة عن الحوادث وعن الأسباب العرَضية». وتنقسم أسباب الوفيات بين الأمهات إلى قسمين رئيسين: أسباب طبية، وأسباب اجتماعية واقتصادية، تفاقم من وقع وتأثير الأسباب الطبية. ويحتل رأس قائمة الأسباب الطبية، النزيف الحاد وبنسبة 25 في المئة، تليه العدوى بنسبة 13 في المئة، ثم تسمم الحمل بنسبة 12 في المئة، ثم تعسر الولادة بنسبة 8 في المئة. وبنظرة سريعة إلى هذه القائمة، نجد أن علاج جميع أسبابها متوفر للطب الحديث منذ عقود طويلة، فالنزيف الحاد يمكن علاجه بنقل الدم، وتستطيع المضادات الحيوية علاج غالبية حالات العدوى، أما تعسر الولادة فيمكن علاجه بالولادات القيصرية. ولذا على رغم أن الأسباب الطبية تعتبر هي نفسها بين جميع النساء، في جميع مناطق العالم، ولكن بسبب اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية، تنجو منها أمهات الدول الغنية، مثل الأمهات في النمسا اللواتي تصل معدلات الوفيات بينهن إلى مجرد أربع وفيات من بين كل 100 ألف ولادة لطفل حي، بينما في الدول الفقيرة والنامية تحصد نفس هذه الأسباب أرواح أعداد كبيرة من الأمهات، مثل الأمهات في أفغانستان اللواتي تصل معدلات الوفيات بينهن إلى 2000 وفاة لكل 100 ألف ولادة لطفل حي، وهو ما يعني أن وفيات الأمهات الأفغانيات تصل 500 ضعف وفيات الأمهات النمساويات. أما بين الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية التي تؤدي إلى وفيات الأمهات، فيعتبر من أهمها نقص القابلات أو «الدايات»، حيث يعتبر النقص الحاد في عدد القابلات في 73 دولة حول العالم، سبباً رئيساً في وفاة الملايين من النساء الحوامل والأمهات الجدد، وفي وفاة أطفالهن حديثي الولادة والرضع، حسب تقرير صدر العام الماضي عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للقابلات، ومنظمة الصحة العالمية. وفي ظل التقديرات بأن 80 مليون امرأة -على الأقل- يحملن، ويضعن، ويرضعن، سنوياً، سيتطلب جميع هؤلاء النسوة رعاية صحية خاصة، أثناء الحمل، وخلال الولادة، وبعد الوضع. وهذه النوعية من الرعاية، لا تزال تعتمد بشكل رئيس -حتى في الدول الغنية والمتقدمة- على القابلة أو «الداية»، فعلى رغم أهمية دور الطبيب، إلا أنه لا يزال يعتبر دوراً ثانوياً بالنسبة لدور القابلة، باستثناء الحالات التي تترافق بمضاعفات خاصة.