في بحر أسبوعين تقريباً من الآن، سيصل 25 ألف موفد من 200 دولة إلى باريس لحضور مؤتمر التغير المناخي الذي تنظمه الأمم المتحدة. ومعنى ذلك أن زعيمَي أكبر دولتين ملوثتين في العالم، الصين والولايات المتحدة، سيكونان متواجدين في باريس في هذه الفترة. والحقيقة أن تعهد كل من«شي جين بينج»، و«باراك أوباما» بالتصدي لمشكلة المناخ، قد حظي باهتمام وسائل الإعلام التي أبرزته عناوينها الرئيسية. فهاتان القوتان العالميتان العظميان، لهما مصلحة في حل تعقيدات الوضع الإقليمي المتوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي، مثلهما في ذلك مثل باقي الدول المطالبة بحق السيادة على أراضٍ في تلك المنطقة، وهي بروناي، وماليزيا، والفلبين، وتايوان، وفيتنام. والشيء الوحيد الذي تتفق عليه تلك الدول، التي سيكون لها ممثلون في مؤتمر باريس، هو التهديد الذي يمثله «الارتفاع في مستوى سطح البحر بفعل تأثير التغير المناخي»، والذي تشير التنبؤات إلى أنه سيؤدي في نهاية المطاف لغمر معظم التضاريس في منطقة بحر الصين الجنوبية، وإغراق سواحل الدول المنخفضة المطلة عليه. ونظراً لأن التغير المناخي قد دفع عدداً لا يحصى من المصالح الصينية والأميركية لتوحيد صفوفها، والتعاون فيما بينها لتخفيف تأثيرات التغير المناخي، وتبني الحلول المناسبة للتعامل مع تداعياته، فالسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل يمكن استخدم نفس الاستراتيجية من قبل الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي؟ وكانت كل دولة من الدول المطالبة بحقوق في الأراضي المحيطة ببحر الصين الجنوبي، قد بدأت في تحويل مواردها وطاقاتها لخدمة استراتيجيات التكيف اللازمة لمواجهة ظاهرة الارتفاع المستمر لسطح البحر، والذي سيؤثر على سواحل تلك الدول بدرجات مختلفة. ففيتنام مثلا تكمن نقطة ضعفها في خطها الساحلي الطويل، الذي يمتد لمسافة 897 ميلاً من الأراضي المنخفضة، التي تشمل حوض نهر «الميكونج الكبير» في الجنوب، وحوض «النهر الأحمر» الأصغر في الشمال. وتفكر فيتنام في بعض المبادرات التي تساعدها على التخفيف من آثار ارتفاع مستوى سطح البحر، مثل اتباع أساليب زراعة أكثر قدرة على مقاومة الفيضانات مستعارة من هولندا. وفيتنام ليست وحدها في هذا التقييم. ففي الجانب الآخر من الطيف، تبرز الصين وسنغافوره باعتبارهما الدولتين الأكثر صرامة في الالتزام بجهود التكيف مع ظاهرة ارتفاع مستوى مياه سطح البحر. فالجهود الصينية في هذا المجال موثقة ومركزة بشكل أساسي في «إدارة التغير المناخي» التابعة لـ«مفوضية الإصلاح والتنمية الوطنية». أما الدولة الأكثر تعرضاً لمخاطر هذه الظاهرة فهي سنغافورة (الدولة- المدينة) التي قامت فعلا بتمويل ودعم عدد من المقترحات والدراسات الخاصة باستراتيجيات التكيف، لمصلحة «وزارة البيئة والموارد المائية». أما بروناي، وهي دولة غنية بالكربون، فقد تأخرت مبادراتها بشأن مقاومة التغير المناخي عن مبادرات جيرانها المطلين على بحر الصين الجنوبي، بمسافة كبيرة، رغم أنها كانت من الدول الموقعة على بروتوكول كيوتو عام 2009. أما الدول الأخرى المطلة على بحر الصين الجنوبي من ضمن الدول المذكورة، فتحاول مواجهة تحدي ارتفاع مستوى سطح البحر من خلال تفعيل تشريعات قائمة بالفعل، وإنشاء مكاتب وإدارات متخصصة في مقاومة التغير المناخي. الجهود الفردية لكل دولة من تلك الدول تبين أن أجهزتها ومؤسساتها قد ركزت وتركز جهودها على مواجهة التحدي الكبير الذي يمثله ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن التغير المناخي. وعلى مستوى أكبر، قد يوفر التعاون بشأن مقاومة هذه الظاهرة، الفرصة لتخفيف التوترات الناتجة عن الدعاوى المتعارضة المطالبة بحقوق في تلك المنطقة، وذلك من خلال بناء توافقات، وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة بينها، ومساعدتها على التسامي على مشاعر عدم الثقة والضغائن الناتجة عن احتدام الخلافات المشار إليها. ورغم أن التأثيرات الطويلة الأمد للتغير المناخي لم تتبلور بعد، فإن العديد من التأثيرات القصيرة الأمد، قد باتت مرئية في منطقة بحر الصين الجنوبي بالفعل. والدول المطلة على هذا البحر، لا تستطيع أن تواجه هذه الظاهرة بمفردها، ولعل الوقت والفرصة قد حانتا كي توحد تلك الدولة جهودها، وتعمل بشكل جماعي من أجل هذه القضية المشتركة التي تهمها جميعاً. ــ ــ ـ ــ ـ ـ ـ ويلسون فورن ديك* *قائد سابق في البحرية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»