ربما لا يكون العنف الذي شهدته المناطق المنبسطة من دولة نيبال خلال الأسابيع الستة الماضية قد أثار انتباهك. إلا أن إغلاق الحدود النيبالية- الهندية الذي نفذته جماعات مسلحة تابعة لإحدى الأقليات العرقية تدعى «مدهيشي» والمنسوبة إلى منطقة «مدهش» السهلية النيبالية، يمكن أن تكون له تداعياته الدولية. ولا يخلو السبب الكامن وراء هذا التطور من عنصر المفاجأة. ففي 20 سبتمبر الماضي، صادقت دولة نيبال على دستور جديد وضع بعد محاولات مضنية دامت ثماني سنوات. وربما يرى المرء في هذا التطور خبراً طيباً يبشر بعهد جديد من الاستقرار، ولكن الدستور الجديد قد يكون هو الذي دفع جماعة «المدهشيين» إلى الإعلان عن عصيان يشبه التمرد المفتوح! والسؤال المطروح الآن: لماذا تحقق بعض الدساتير نجاحها فيما تفشل أخرى؟ ويمكن صياغة هذا السؤال بطريقة أخرى أيضاً: ما الأسس التي تستند إليها مشاريع إعداد الدساتير حتى تحقق من خلالها النجاح؟ وسنجيب عن هذا السؤال بطريقة حدسية منطقية. فلو سألت معظم الناس عن الأهداف التي توضع من أجلها الدساتير، لقالوا لك، إنها تعدّ بمثابة اتفاقية أو عقد اجتماعي بين الغالبية العظمى من الشعب، تتعلق بالطريقة التي يقبلون أن يُحكموا بموجبها. وعلى سبيل المثال، يبدأ الدستور الأميركي بعبارة «نحن شعب الولايات المتحدة..». ونحن نعلم أن الضمير «نحن» لا ينطبق على كل إنسان منفرد من الشعب الأميركي. ولهذا السبب فإننا نعتقد أن على الدستور أن يعكس تطلعات الغالبية العظمى من الناس على أقل تقدير. إلا أن هذا الجواب ينطوي على خطأ جسيم، وذلك لأن الدساتير توضع أيضاً لحماية الأقليات في إطار اتفاقية ترضى بها الأغلبية. وفي نيبال، وبعد سقوط العهد الملكي، تم تنظيم انتخابات لاختيار المجلس الدستوري في عام 2008. وفاز فيها «الثوريون الماويون» بأغلبية المقاعد، ولكن ليس بالأغلبية المطلقة. واستناداً إلى الدستور المؤقت، عمدوا إلى تشكيل حكومة ائتلافية بالاشتراك مع حزب المؤتمر النيبالي الذي كان يقود المعارضة. ومنذ عام 2009 وحتى الآن، وبعد أن تغيرت الحكومة عدة مرات، وعقب الانتخابات الجديدة، فشلت الجهود في وضع ميثاق يمكنه أن يفوز بموافقة الأحزاب السياسية الرئيسية. وكانت العقبة الكبرى تكمن في خلاف نشب بين «الماويين» وزعماء حزب المؤتمر النيبالي على تقاسم السلطات. ومنحت انتخابات عام 2013 حزب المؤتمر وبقية الأحزاب التقليدية صلاحيات ضمن المجلس التشريعي أوسع من تلك التي حصل عليها «الماويون». وكان هذا سبباً في نشوب خلافات حادة في شهري أبريل ومايو الماضيين بدا وكأنها عصيّة عن الحل. ووافقت الأحزاب الرئيسية في نهاية المطاف على تبنّي نظام فيدرالي. وبدا هذا الاقتراح متوافقاً مع الأوضاع السائدة في الأقاليم المختلفة لنيبال، التي تضم الكثير من الأقوام والإثنيات متعددة المشارب والثقافات وتتكلم بأكثر من 100 لغة ولهجة محلية مختلفة. وقد جاء في أحد بنود الاتفاقية أن الأحزاب الكبرى وافقت على تخفيض تمثيلها النسبي في الدستور المؤقت وبما يسهّل على الأقوام والجماعات صغيرة العدد انتخاب ممثليها في المجلس التشريعي. ومن وجهة نظر السياسات التي تعتمد على ديمقراطية الأغلبية، يمكن القول إن الدستور النيبالي الجديد كان من المتوقع أن تتم إجازته. إلا أن المشكلة تكمن في أنه لم يفز برضى كل النيباليين على رغم رضا الأغلبية عنه. وجاء الاحتجاج الكبير عليه من إقليم «تيراي» الذي يقع على الحدود مع الهند، بعد أن لاحظ سكانه أنه يؤدي إلى تخفيض مستوى تمثيلهم النسبي في البرلمان. ويمكن لمفهوم حماية الأقليات أن ينطوي على أمور أخلاقية مرغوب فيها، مثل التأكيد على المساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة السياسية، أو أن يؤدي إلى مكافأة المفسدين الذين يخلقون المتاعب. وكان من الواضح أن الدستور الذي لا يمكنه تحقيق السلام على المستوى الوطني، هو دستور فاشل. ويرى المنتقدون أن الدستور النيبالي الجديد لا يتمتع بفرصة قوية للنجاح. وينبغي على أولئك الذين تكفلوا بوضع بنوده أن يعمدوا إلى البحث عن استراتيجية أخرى لتعديله في أقرب وقت ممكن. ----------- نوح فيلدمان أستاذ القانون الدولي في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»