تناقلت وسائل الإعلام التركية صورة للرئيس التركي أردوغان وعلى طاولة مكتبه مجسم لشعار جماعة الإخوان الإرهابية التي تم حل تنظيمها العنقودي في مصر وفي كثير من الدول، ويبدو أن أردوغان أراد أن يوجه من خلال تبني أحد شعارات الإخوان أن يشكر الجماعة المتطرفة التي احتفلت بفوز حزبه في الانتخابات التركية أكثر من الشارع التركي نفسه. أما الأنباء التي أعقبت فوز حزب أردوغان، فتشير عناوينها إلى تسارع وتيرة إجراءات النظام التركي لتدمير أسس وقوانين ونمط الحياة العلمانية التي عُرفت بها تركيا، والتي دخلت من خلالها العصر بعد أن كانت توصف في كتب التاريخ بالرجل المريض. وها هو أردوغان وتياره يريدون استعادة الخلافة العثمانية التي أدخلت بلاد الأناضول لفترة من الزمن في شيخوخة لا يتمنى المجتمع التركي المنفتح بالعودة إلى ماضيها. في كل الأحوال يبدو أن تصرفات أردوغان وجماعته تقول ضمنياً بأننا نشهد نهاية تركيا العلمانية المنفتحة، حيث باشر «حزب العدالة والتنمية» عهده الجديد بتصرفات عجيبة من قبل رئيسه، ومنها منع صحف تركية من تغطية مشاركة أردوغان في قمة مجموعة العشرين، بينما استمر بقايا أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المقيمين في تركيا بتشجيع أردوغان وحثه على دعم تنظيمهم. وتشهد تركيا على ما يبدو تدشين مرحلة الصدام الشامل مع الشارع العلماني التركي، ومعنى ذلك أن الأتراك مقبلون على تحولات جذرية يسعى النظام من خلالها إلى تقويض الصبغة العلمانية والأسس التي قامت عليها جمهورية أتاتورك، نظراً لتبني أردوغان وحزبه السير في طريق دعم جماعات متطرفة، أصبحت بدورها تنظر إلى تركيا كما لو أنها الباب العالي في عهد السلاطين العثمانيين. بوادر الصدام السياسي بين العلمانيين وحزب أردوغان بدأت بالفعل مع الصعود المتكرر لأنصار أسلمة تركيا واستغلالهم مخاوف الشارع من الأزمات الاقتصادية، فيما باشر أردوغان عقب فوز حزبه بالحديث عن استخدام الأغلبية البرلمانية لتغيير الدستور، سعياً لتحويل النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي، بهدف استكمال طموحه للزعامة كخليفة عثماني يرتدي ربطة عنق. ما يحدث في تركيا يؤكد مخاوف زعماء المعارضة العلمانية الذين يعلنون أن تركيا العلمانية التي نعرفها صارت في طريقها للاختفاء الممنهج، مقابل ظهور تركيا أخرى دفعها أردوغان وحزبه إلى الخلف على المستوى السياسي والديمقراطي، لأن التشريع لصلاحيات رئاسية مفصلة على مقاس طموحات أردوغان يشكل ديكتاتورية إسلاموية تعتبر نفسها على صواب وتستند إلى الحق الإلهي. وعربياً لدينا تجربة الجمهورية التونسية التي حققت منذ الاستقلال قفزات نوعية على صعيد حقوق المرأة، إلى أن استغلت حركة «النهضة» الإخوانية أحداث الربيع المزعوم وعادت ومعها مجموعات سلفية أحدثت في الشارع التونسي أضراراً شملت السياحة والاقتصاد والحريات العامة، وصولا إلى جرائم اغتيال طالت معارضين من الصف الأول في النخبة التونسية. بينما فشلت حركة الإخوان في مصر فشلاً مدوياً في توطين ذاتها كجماعة سياسية داخل المجتمع المصري، وما أن تهيأت لها فرصة للتمكين حتى باشرت بالتحالف مع أعتى الجماعات الإرهابية، وأطلقت رموزها وقياداتها من السجون، ولا تزال تلك التيارات المتطرفة تساند الإخوان وتتباكى معهم على ما تعتبرها شرعية آفلة! وبالعودة إلى تركيا واستعداد أردوغان لقطف ثمار الفوز بالانتخابات المبكرة، ظهر أن المهللين لهذا الحدث من خارج تركيا ينتمون لتيار الإخوان المتأسلمين، الذين فتحت لهم تركيا أحضانها، رغم علمها بأنهم يتحركون بحقد عبر أذرعهم الإرهابية لتهديد الاستقرار الأمني في مصر. ومن يؤيدون تحركات أردوغان وحزبه من خارج تركيا يكشفون أن فشل مشروع الإسلام السياسي يجعل أنصاره يتعلقون بأي أمل مهما كان كاذباً. لكن على نظام تركيا الراهن التوقف عن مجاملة الإخوان وعن تنويمهم عاطفياً، لأن الإصرار على استضافة اسطنبول لرموز التيارات الإرهابية، يشير إلى أن النهج المستقبلي لأردوغان وحزبه وجماعته في الطريق إلى إزالة القشرة المدنية لحزب لعدالة والتنمية، وصولاً إلى التماهي والتطابق مع أفكار وتوجهات الجماعات الإرهابية. وبقدر سرعة الانحدار في هذا الطريق بقدر ما سيكتب أردوغان نهاية مشروعه السياسي المضطرب. -------------------- *كاتب إماراتي