تحتفل دول العالم يوم غد الاثنين 16 نوفمبر باليوم العالمي للتسامح. علينا نحن العرب أن نشارك في هذا اليوم والاستفادة من الدروس والعبر التي دفعت الدول الغربية للاحتفال به، خصوصاً وأننا ابتلينا بتمزق بعض بلداننا التي تخوض الآن حروباً أهلية لأسباب طائفية ودينية أو لمصالح قبلية ومناطقية، ما نشهد نتائجه المدمرة والقاتلة في كل يوم يمر، خاصة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان ولبنان. كل هذا الدمار يحدث بسبب غياب الحوار الوطني ورفض التسامح وعدم تطبيق الديمقراطية. نشأ مفهوم التسامح في عصر التنوير في القرنين السابع والثامن عشر وقد صاغ مفاهيمه فلاسفة التنوير الأوروبيون مثل فولتير وجون لوك وروسو وجون ستوارت ميل وغيرهم، والسبب الرئيسي لبروز الحاجة للتسامح هو أن أوروبا التي دمرتها الحروب الدينية الطاحنة بين الكاثوليك والبروتستانت لحوالي 400 سنة.. هو بروز حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، والتي أدت جهودها إلى إضعاف الكنيسة بعد تعدد الانشقاقات في المسيحية ونشأة عدة طوائف وشيع، بالإضافة إلى سعي الملوك للحد من نفوذ الكنيسة الزمني بسبب انتشار الفساد فيها والإفراط في المادية. والسؤال الآن، وعلى ضوء الخبرة الغربية، ماذا ينقص مجتمعاتنا العربية الإسلامية لإنجاح مفهوم التسامح في بلدانها؟ نحتاج قبل انتشار أفكار التسامح في مجتمعاتنا العربية إلى حركات فكرية حرة تؤمن إيماناً مطلقاً بحرية العقيدة والاحترام المطلق لاعتقادات الآخرين، لأن مفهوم التسامح له أبعاد أخلاقية ودينية وفلسفية وسياسية وحقوقية.. لا نملكها في مجتمعاتنا العربية، لأن حرية المعتقد والعقل والتعبير والإقرار بالاختلاف والتنوع، مع ضرورة التعايش والتعاون.. تحتاج إلى وجود دول ومجتمعات ديمقراطية حرة، فالتسامح نقيض التعصب. مجتمعاتنا للأسف الشديد تعاني من حركات دينية وطائفية ترفض التعددية الدينية والفكرية وتكفر بالآخر بل تحارب كل من يختلف معها. المفاهيم الدينية في الغرب تركز على مفاهيم المحبة والإخاء والسلام، بينما نجد بعض حركات الإسلام السياسي تعزز الكراهية ونبذ الآخر فقط لأنه يختلف عنه بالعقيدة أو المذهب. التسامح له قيمة سياسية تقبل بالاختلاف والجدل والحوار بدلاً من الإقصاء والإبعاد السياسي. والتسامح كذلك له قيمة حقوقية تدعو لعدم التمييز بين المواطنين واحترام القانون الذي يحدد الحقوق والواجبات التي يجب أن يلتزم بها الجميع. وأخيراً؛ هل هناك إمكانية لأن تسود مفاهيم المحبة والإخاء والحوار والتسامح في مجتمعاتنا ودولنا؟ نقولها بكل صراحة ووضوح؛ يمكن تحقيق ذلك بسهولة إذا تم تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي، وتم إبعاد الدين عن السياسة، أو كما أكد الفيلسوف الفرنسي فولتير فإن وجود التسامح الديني في المجتمع يتطلب الوقوف ضد كل أشكال التعصب من خلال إعلاء قيمة العقل والبعد عن التزمت واحترام الحرية في كل مجال وخاصة حرية الاعتقاد وحركة الفكر الإنساني. ---------------------- *أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت