لعل كثيرين قد تصرفوا على نحو لافت أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع الماضي. وقد كان هذا بحق وقتاً لتصحيح الأمور. فالإدارة الأميركية، سعت من جانبها إلى توضيح أن تجاوز ما أطلق عليه الرئيس أوباما مصطلح «الاختلاف العارض» فيما يتعلق بالصفقة الإيرانية، يعني زوال آخر ما تبقى من مواقف التوتر. وقد سارع ثلاثة أرباع أعضاء الكونجرس إلى الترحيب بنتنياهو مع توجيه رسالة استنكار بما يسمونه العنف والتحريض الفلسطيني الذي يؤدي إلى زيادة المواقف توتراً! وقبل، وأثناء، وبعد الزيارة، ركزت البيانات الصادرة عن المسؤولين السياسيين والتقارير التي نشرتها الصحافة، بشكل كبير على محورين رئيسيين: المتطلبات الضرورية لحماية أمن إسرائيل عقب توقيع مجموعة 5+1 على الصفقة النووية مع إيران، وكيف يمكن الإبقاء على العلاقات الأميركية- الإسرائيلية على مستوى غير مسبوق من القوة على رغم علاقة نتنياهو المتوترة مع أوباما. وحتى عندما تم التطرق لماماً إلى الفلسطينيين، فقد كانوا يوصفون بعبارات تحامل مثل «مثيري الشغب والعنف» والذين يخلقون مشكلة تتطلب حلاً حتى تتمكن إسرائيل من العيش بسلام! وتحدث أوباما عن الحاجة إلى «خفض درجة التصعيد المرتفع بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وأشار إلى اهتمامه بأن «يتم تحقيق التطلعات الفلسطينية المشروعة من خلال عملية سياسية». ومن جانبه، قال نتنياهو إنه متمسك بالتزامه «بفكرة دولتين لشعبين، وبقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بيهودية دولة إسرائيل»! إلا أن المسار العام للأشياء من حيث دعوة أوباما إلى «خفض التصعيد» وجواب نتنياهو بأنه «منفتح على النقاش وبطرق عملية من أجل تخفيف التوتر»، يبدو وكأنه لا يعدو أن يكون تكراراً لمواقف سبق الحديث عنها، ولكنها لم تنفّذ أبداً. وكان المحور الغائب عن هذا الحوار يتعلق بالاعتراف الصريح بمعاناة الفلسطينيين وهم يرزحون تحت الاحتلال الوحشي الذي يمارس عليهم أبشع مظاهر الظلم والتعسف، ويتنكر لحقوقهم الأساسية، والذي قوّض كل أمل باقٍ لهم في بناء مستقبلهم. ولم نرَ شيئاً جديداً في هذا الطرح منذ فشل طريقة التعاطي التي ميزت النقاشات المتصلة بسياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ومنذ الأيام الأولى للإعلان عن المشروع الصهيوني في فلسطين، عمد الغرب إلى تصوير الصراع الناتج بمعادلة مختلة: «الإنسانية اليهودية في مواجهة المشاكل العربية»! وحتى عندما تم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في آخر المطاف، لم يحدث إلا تغيير طفيف في جوهر النقاش القائم عند الإشارة إلى الدولة الفلسطينية باعتبارها ضرورية ليس لتحرير الفلسطينيين من كابوس الاحتلال الإسرائيلي بل للتأكد من أن إسرائيل ستبقى باعتبارها «دولة يهودية»! وكانت هناك مناسبات عدل فيها زعماء غربيون عن التمسك بهذا الطرح السائد. وسبق للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أن تحدث عن معاناة الفلسطينيين في رسالة متميزة إلى المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1998. وهكذا فعل أوباما في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة عام 2009 وأيضاً في خطاب ألقاه في القدس عام 2013. وبدلاً من حاجتنا لإحداث تغيير دائم في خطابنا السياسي، فقد بدا وكأن هذه المواقف اللافتة لكلينتون وأوباما لم تمثل أكثر من مجرد خطاب عابر. وفي كل الأحوال، وخلال السنوات القليلة الماضية، لم يكن هناك إلا تطرق قليل أو معدوم للمصاعب القاسية التي يواجهها الفلسطينيون، ولم نسمع عن أي بيان يستنكر معاملة إسرائيل الوحشية للأسرى الذين تعتقلهم من المناطق التي تحتلها. وربما يكون في وسعنا الحديث عن «خفض درجة التصعيد»، ولكن ما لم يتم التصريح بأسماء تلك السلوكيات التي ترفع الحرارة وتفاقم التصعيد، فلن يتغير أي شيء. وفي النهاية، لابد من الاعتراف بحق الفلسطينيين في الحياة وفي الحماية، وفي غياب الاهتمام بأرواح الفلسطينيين، لابد أن يكون الكلام عن دولة واحدة أو دولتين فارغ المضمون. وفي مواجهة الخروقات الممنهجة لحقوق الفلسطينيين، يكون من العبث الحديث عن الحاجة لحل الدولتين من أجل مجرد حماية إسرائيل فحسب! والفلسطينيون هم الضحايا، بل هم الضحايا غير المرئيين. وعلى أن تاريخ الحرمان والعسف الذي تعرضوا له والذي استثار فيهم الغضب والإحباط هو الذي يدفع الشبان صغار السن منهم للتصرف على هذا النحو الذي نراه. ويجب أن تؤدي هذه الأفعال إلى دق نواقيس الخطر التي تدفعنا لإعادة التدبّر في طريقة مساهمتنا نحن الغربيين في إثارة ذلك الغضب والإحباط نتيجة تجاهلهم خلال كل هذه المدة الطويلة. ------------- رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن