النظرية فكرة أو رأي غير مثبت علمياً مقدمة لازمة لما سأطرحه في هذا المقال. الحياة التي نعيشها بدأت تفقد رونقها لأننا أصبحنا أسرى للحياة الافتراضية. البعض منا أو ربما جلنا قرر اختياراً حبس نفسه في عالم الإلكترونيات، التي أضحت تتحكم فينا وتفقدنا حيويتنا، بل أصبح البعض منا لا يستمتع بحياته خارج هذا السجن. كي أقرب لكم الصورة، إن قررت الأسرة في يوم من الأيام السفر وكان من لوازم تلك الرحلة الإقامة في فندق لا توجد به خدمة «الواي فاي» كما تعرف إلا في بهو الفندق، سترى في ذلك النزل العجب العجاب. الكثير من الناس ستجدهم يتصارعون على كراسي بهو الفندق والتي قد تتحول عند البعض إلى أسرة لا يودون مغادرتها، وستجد أن جيل الشباب والأطفال هم أكثر الجالسين في البهو. عندما تتمشى في المراكز التجارية تجد الأصدقاء يجلسون في المقاهي وليس بينهم حوار حقيقي لأنهم منشغلون بهواتفهم التي أصبحت أذكى منهم. وإن من يمشي على شاطئ البحر، أو في الغابات حيث الشلالات، والمناظر الخلابة لا يأنس بالمناظر الطبيعية بقدر ما أن همه توثيق تلك الصور للنشر. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قررنا كبشر ونحن في كامل قوانا العقلية أن نتخلى عن الحرية كي نعيش الحياة الافتراضية. هناك نظريات واجتهادات كثيرة لتفسير هذه الظاهرة، منها أن كل إنسان وجد ضالته في الحياة الإلكترونية. فمن كانت لديه فوبيا الحديث والحوار أمام الناس وجد من ينصت له إلكترونياً وهم لا يرونه. ومن النظريات أن الحياة الافتراضية يدخلها الناس لإكمال نقص نفسي يشعرون به، فمن كانت الشهرة هدفه وجد ضالته، ولو دفعه الأمر إلى شراء متابعين كي يدخل في قائمة المشهورين، ومن كان همه زيادة معارفه، وتوسيع دائرة علاقاته، وجد في هذا العالم مكانه، بل حتى المنبوذين والشاذين فكرياً أو أخلاقياً وجدوا حياة جديدة في الفضاء الرقمي. لا ينكر عاقل الجوانب الإيجابية للحياة الرقمية إن أحسنا اختيار الوقت والزمن المناسبين للدخول فيها، ونعرف أن لدينا القرار المناسب للخروج من هذا النفق متى ما أردنا أن نكون بشراً من جديد. لكني في هذا المقال أحذر من أننا كبشر قد نفقد جوانب أساسية من تركيبتنا النفسية السوية إن أدمنا على الحياة الافتراضية. من المتعارف عليه تربوياً أن الإنسان يتربى وفق عوامل خارجية يتأثر بها، كالأصحاب مثلاً، وتتغير نفسيته حسب البيئة التي يعيش فيها، فأهل المدن المزدحمة يختلفون من الناحية النفسية عن أهل القرى، ومن يعيش مجاوراً للبحر نفسيته تختلف عن من يسكن في الصحراء. إدمان الحياة الافتراضية يسلب الإنسان المشاعر الإنسانية الأساسية ويحوله مع طول الأمد إلى الجفاف العاطفي حيث يتصرف بنسق مقارب لآلة تم برمجتها، عندما تستيقظ من نومك إن كان أول من تحب مقابلته هو هاتفك الذكي، وهو رفيقك العلني في يومك وخليلك السري في ليلك، وآخر من تودعه قبل منامك، فقد دخلت هذا العالم. راجع حساباتك كي تكتشف أنك لم تعد أنت الذي تعرفه قبل دخولك هذا العالم، ومن يتأمل في حالة الجيل الجديد من الأطفال الذين رضعوا التكنولوجيا مع الحليب، يجد أنهم أسرع غضباً وأكثر عنفاً وتميل نفسياتهم إلى الاضطراب السريع بين الفرح والحزن. عندها يطرح سؤال نفسه: هل سنكون بشراً كما خلقنا الله تعالى في مستقبل الأيام، أم أننا سنتحول إلى شبه آليين مبرمجين لكننا غير مستمتعين بحياتنا. نصيحتي هي: عِش حياتك مُسخِّراً هاتفك لا مُسخَّراً له. أكاديمي إماراتي