كطفيليات تبحث عما تتغذى عليه، تسعى شركات أميركية ضخمة الحجم بالفعل في الوقت الراهن، للاندماج مع شركات أخرى. وهذه الاندماجات تتم بمعدلات متسارعة. ففي الشهور القليلة الماضية فقط، اشترت «وول جرين» شركة «رايت آيد» ووحدت بذلك اثنين من بين أكبر ثلاث سلاسل مخازن دوائية في الولايات المتحدة، وفي «بيرلاند»، اشترت «مولسون كورس» شركة «ميلر»، كما اشترت «ايتنا» و«انثم» عملاقا التأمين الصحي عملاقين آخرين في التأمين الصحي هما بالترتيب «هومانا» و«سيجنا»، واشترت «هاينز» شركة «كرافت»، كما أكملت «أميركان آيرلاين» ابتلاعها لباقي الخطوط الجوية في الولايات المتحدة، مما قلص من عدد شركات الأميركية الكبرى إلى أربع فقط، تتحكم الآن في ما نسبته 70 في المئة من سوق السفر عن طريق الجو. وفي «وول ستريت»، باتت البنوك التجارية الخمسة الكبرى، تسيطر على ما يقدر بنصف أصول البنوك الأميركية قاطبة. وشركات البيع بالتجزئة التي كانت تبدو في الظاهر كشركات متنافسة، اتضح أنها وفي الكثير من الحالات، ليست سوى علامات تجارية مختلفة تابعة لشركة واحدة. ومن هنا فليس من المستغرب أن نسمع مثلاً أن شركة مثل «هيات» تفكر الآن في دمج شركات «ستاروود» التي تمتلك علامات «شيراتون» و«دبليو» و«سانت ريجيس»، وتشير التقارير إلى أن شهر أكتوبر المنصرم كان أكبر الشهور على الإطلاق التي شهدت عمليات اندماجات واستحواذات، حيث بلغت قيمة الصفقات التي اشتملت عليها هذه العمليات منذ بداية العام وحتى الآن ما يقرب من 4 تريليونات دولار. وهذه الأنباء والأرقام، كما تظهر الدراسات الواحدة تلو الأخرى، تمثل خبراً سيئاً للمستهلكين، والعمال، والشركات الناشئة على حد سواء. فقد أظهرت دراسة قام بها «جون كاوكا» أستاذ الاقتصاد بجامعة «نورث إيسترن» أن 46 من حالات الاندماج قد أسفرت عن زيادات كبيرة في أسعار المنتجات التي تبيعها الشركات المندمجة. وأظهرت دراسات أخرى أن انخفاض عدد الشركات الجديدة يرجع جزئياً إلى زيادة القوة السوقية للشركات العملاقة، في حين يقدر «جيسون فارمان» رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس باراك أوباما، ومعه «بيتر أورسجاج» المدير السابق لمكتب الإدارة والميزانية في إدارة أوباما، أن زيادة معدل عدم المساواة مدفوع جزئيا بالمكافآت الاستثنائية الممنوحة للتنفيذيين وحملة الأسهم في الشركات التي تهيمن على المجال الذي تعمل فيه. ولكن الدمج غير المقيد للشركات العملاقة، يكشف لنا عن نصف قصة عدم التوازن المتزايد في الثروة والنفوذ(السوقي والسياسي على حد سواء). أما النصف الثاني أو السبب الثاني في عدم التوازن هذا فهو مسار العوائق القانونية الذي تنتهجه الشركات العملاقة، والذي يجعل من المستحيل عملياً بالنسبة للمستهلكين أن يوحدوا صفوفهم، وبالنسبة للعمال أن يشكلوا اتحادات. هارولد مارسون ....................... محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»