ما زال هذا السؤال القديم الجديد يتردد من حين لآخر: ما العلاقة بين الدين والسياسة؟ بعض الجماعات الدينية المتسيّسة تؤكد وجود علاقة، فالدين في زعمها سياسة، فيما تميز نظم الحكم بينهما، الدين لله والوطن للجميع، الدين للعبادة والسياسة للدولة، وهو ما انتهى إليه الغرب أيضاً بعد طول صراع بين الكنيسة والدولة، وقد ينتقل النقاش إلى الجامعة. وتأخذ الدولة موقفاً من هذا الإشكال وهو فصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الوظيفة، فلا أحد في الجامعة، أساتذة وطلاباً، يتكلم في السياسة، ولا أحد من الموظفين العموميين. وقد ارتبط الدين بالسياسة في العصر الحاضر فيما يسمى «لاهوت التحرير»، ويعني كيفية توظيف الدين في تحرير الشعوب المحتلة في عهد الاستعمار، وقد استعمله المسيحيون في أميركا اللاتينية، والبوذيون في آسيا، والمسلمون في جنوب إفريقيا، وقد أنشأ اليهود «لاهوت الأرض» للزعم بأن شعب إسرائيل لا يستطيع أن يعبد الله إلا في أرض المعاد، فلسطين! وكل ?مقاوم ?يعمل ?من ?أجل ?تحرير ?الأرض ?فإنه ?قد يسعى لتوظيف الدين في مسعاه، ?ولكن الخشية أن ?تتحول ?السياسة ?إلى ?دين مضاد ?كما ?هو ?الحال ?في ?الماركسية. ?فالإنسان قد ?يحتاج ?إلى ?إطار ?مرجعي ?ديني ?سياسي ?أو ?سياسة ?دينية ?وخاصة ?في ?مجتمع ?متدين، ?كان ?الدين ?أساس ?حضارته، ?عمارته ?وفنه ?وعلمه. ?وهو ?موقف ?سياسي ?لفصل ?الدين ?عن ?السياسة ?باعتباره ?عاملاً ?محركاً ?لها ?إيجاباً ?أم ?سلباً. وبعض أهل السياسة قد يستعمل معياراً مزدوجاً، فبينما يتهم خصومه بخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين، الدين بالجامعة، والجامعة بالدين، قد يقوم هو بالشيء نفسه. فالسلام مع إسرائيل من الدين، وهي تقتل الفلسطينيين أطفالاً ونساء ومسنين كما نشاهد كل يوم، أما غياب الحريات، فهل هو من الدين؟ وماذا عن سيطرة رجال الأعمال وتنفذهم حتى يجمعوا بين السلطة والمال؟ وماذا عن رئيس النظام السابق الذي نهب أموال مصر، هو وأسرته وأصدقاؤه، ولم يصدر الحكم ضده بعد على رغم مرور ما يقرب من خمس سنوات على ثورة يناير 2011؟ وماذا عن إمساك النجلين بمصحفين وهما في قفص الاتهام تمسحاً بالدين وتبركاً به؟ لقد قام الدين، في مفهومه العادي لا السياسي، بأدوار مؤثرة في أثناء حركات التحرر الوطني مثل ثورة 1919. فقد خرجت المظاهرات من المساجد، وعلى رأسها علماء الأزهر ورجال الكنيسة. وكان الإسلام في الجزائر صلب الحركة الوطنية، المصحف الشريف في يد والمقاومة باليد الأخرى، و«لا إله إلا الله» على اللسان. وكان الاستعمار الفرنسي يهدم المساجد التي كانت تخرج منها المقاومة ومدارس اللغة العربية التي تحافظ على الهوية العربية، لغة القرآن الكريم، وقد كان الدين أحد مكونات المقاومة الفلسطينية، وكان إحدى ركائز الاشتراكية حتى أنها سميت «الاشتراكية الإسلامية»، حق الفقراء في أموال الأغنياء، «ليس منا من بات شبعان وجاره طاوٍ». وهو ما عرف أيضا باسم «اليسار الإسلامي». لا تعني الصلة بين الدين والسياسة بالضرورة إما استعمال الدين للمعارضة السياسية وإما استعماله لتبرير النظام الحاكم، بل يمكن للدين أن يكون عنصر مصالحة بين الحكم والمعارضة. يمكن أن يساعد على بناء مشاريع قومية مشتركة في التنمية والوحدة والاتصالات، بل أبسط من ذلك مثل النظافة التي لا يُختلف عليها بين من يفصل بين الدين والسياسة ومن يوحد بينهما، فليس الدين عدواً للحكم، ولا الحكم عدواً للدين، صراعاً على السلطة. الدين والسياسة كل منهما يمكن أن يساهم في دعم مصالح الوطن. --------------- أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة