خلال منتدى الاتحاد العاشر طرحت العديد من الأفكار والمقولات النيرة التي أثرت النقاشات وجعلتها خصبة، وأفادت كثيراً الجهات المختصة في دولة الإمارات. ومن ضمن الأفكار اللافتة تلك التي طرحت أن مركز القيادة في العالم العربي انتقل إلى منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي أصبحت لها أدوارٌ قيادية مؤثرة في شؤون العالم العربي، ورغم أن الفكرة ذات مصداقية وتعكس الواقع الحقيقي لمسألة القيادة والريادة في العالم العربي حالياً، إلا أن بعض الحضور انتقدوها، والبعض الآخر «همهم» حولها أو استقبلها بشيء من الامتعاض. والمهم أن نجاح السياسة الخارجية لأية دولة يرتبط بقدرتها على الإقناع، وقد ظهرت قدرة دول المجلس على ذلك في العديد من النجاحات عندما تدخلت في ملفات شائكة كالملف اللبناني (اتفاقات الطائف والدوحة) وملف التصدي للظاهرة «الإخوانية» في مصر، والملف اليمني حالياً، وقِس على ذلك. لكن العديد من العرب يقللون من تلك النجاحات ما يعكس عدم إلمام بقدرات دول المجلس وتاريخها الحافل في شؤون حوض الخليج العربي منذ القرون الوسطى، فمن الذي تصدى ببسالة لغزوات البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين للمنطقة؟ أليسوا هم الإماراتيون والعُمانيون؟ فلماذا يتم إغفال قدرة دول المجلس على إحياء وتجديد هذه الأدوار في الحاضر والمستقبل؟ إن مثل هذا الإغفال يعكس عدم فهم تاريخ ورؤية قاصرة لكيفية تشكل الدولة الوطنية في دول المجلس من حيث كونه يتفاعل ضمن أسس تشكل إقليمي عربي يفتقد إلى معرفة عناصر القوة في هذه المرحلة، والتي أهمها قوة الاقتصاد وكيفية استغلال القوة الاقتصادية المؤثرة. لذلك فإن التشكل الإقليمي على المستوى العربي يبدو مهلهلاً بشدة ثقافياً رغم ادعاء أطراف عربية ومن يمثلونها في العديد من المواقع قدرتها على قيادة العالم العربي على أسس من الرابط الثقافي - القومي. إن المعطيات التي تغري أطرافاً إقليمية معينة بأهليتها لقيادة المنطقة العربية لا تقوم على أسس واضحة تتساير وروح العصر، ومثل هذه النظرة السطحية غير الواقعية تهدد حتى التطبيقات الأكثر حرصاً لنظرية العلاقات الدولية المعاصرة على الشؤون الخارجية لتلك الدول. ومن جانب آخر فإن العلاقات الدولية ينظر إليها على أنها تصرف له علاقة بتحديد الأهداف وتوفر الإمكانيات والإرادة لكي يمكن قياس نجاحها أو فشلها. وجدلياً فإن تحديد الأوضاع الخاصة بالنجاح أو الفشل بالنسبة لتحقيق هدف معين يعتبر واحداً من أهم مواضيع السياسة الخارجية، لكن الاهتمام العربي بهذا الموضوع لا يرقى إلى أهميته، الأمر الذي يولد الفشل القائم حالياً لدى الدول العربية من غير دول المجلس، فالعديد من تلك الدول تتحدث عن صنع السياسة الخارجية كثيراً وعن أهليتها للقيادة بشكل أكثر تشنجاً، وهي منشغلة كثيراً بذلك في نفس الوقت الذي درجت فيه على إهمال المخرجات السلبية التي نتجت حتى الآن عن مثل تلك الأقاويل التي تدور في فراغ. لذلك فإن التركيز على الحديث عن قيادة العالم العربي كجزء من صنع السياسة وإهمال مخرجات مثل تلك السياسة، هو واحد من العيوب الرئيسية في نظرة بعض الدول العربية إلى دول المجلس. والملاحظ أن معظم النقاشات التي تدور حول مسألة قيادة العالم العربي تدور وهي متروكة للنقاد والمحللين والإعلاميين الذين يطرحون الأمور حسب أهوائهم، خاصة ما تطل به علينا الحوارات التشنجية التي تبثها القنوات الفضائية هذه الأيام من خلال استضافتها لمحللين وأكاديميين ينتمون لمدارس فكرية وخلفيات قطرية معينة يفتقد الكثيرون منهم إلى الموضوعية. ليس المهم من يقود العالم العربي في هذه المرحلة من تاريخه وأوضاعه الهائجة، لكن المهم هو ما الذي يستطيع أن يقدمه مدعي القيادة للإنسان العربي في أمنه ورزقه وسلامته الشخصية وسلامة أوطانه، والخليجيون يقدمون أنموذجاً كامل الأركان على هذه الصعد.