لا يزال هناك حتى الآن العديد من الأعضاء في مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري الذين يرفضون التصديق بأن أخطار التغيّر المناخي وصلت إلى الحدائق الخلفية لبيوتهم. ويترتب على إنكارهم الغريب لهذه الحقيقة القائمة بالفعل، تكاليف وأعباء باهظة باتت واضحة للعيان من خلال التغيرات التي طرأت على «بوالص» التأمين على المساكن في العديد من الولايات الأميركية. وما من واحد فحسب من المترشحين الجمهوريين الخمسة عشر للتسمية كمرشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، قد جعل من قضية التغير المناخي مشكلة أساسية في برنامجه الانتخابي الداخلي. ولقد تعمد المترشحون الجمهوريون التغافل عن هذه المشكلة، رغم وضوحها وجسامة خطرها الظاهرين، لكنهم ربما يكونوا قد أنكروا وجودها أصلاً. ويكمن السبب الأول لتبنّي هذا الموقف الإنكاري وغير الواقعي في أن أغلبية هؤلاء المترشحين يتلقون الدعم المالي لحملاتهم من «لوبيات» الاتجار بأنواع الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري)، وخاصة منها تلك التي تهتم بصناعة إنتاج وحرق الفحم والتي تعتقد بأن السياسات الصارمة الرامية إلى الحدّ من الانبعاثات الكربونية سوف تنعكس سلباً على عوائدها المادية. وأنا أصدقهم القول في هذه النقطة بالذات، لأن الكثير من العمال سوف يفقدون وظائفهم في هذه الصناعة، وخاصة منها صناعة الفحم الحجري إذا ما تم تطبيق تلك السياسات الصديقة للبيئة. إلا أن الواقع الماثل الآن على أرض الواقع دفع هؤلاء المسؤولين عن إدارة أمور مجتمعاتنا المحلية وولاياتنا المطلة على الشواطئ، إلى القبول بالحقيقة التي تفيد بأن مستوى سطح البحار أصبح يرتفع تدريجياً بسبب ظاهرة احترار الكوكب الأرضي، وخاصة بعد أن بدأت النتائج المترتبة على هذه الظاهرة في تغيير طرائق الناس خلال ممارسة حياتهم اليومية. دعنا نراجع على سبيل المثال النتائج الكارثية الأخيرة لإعصار ساندي الذي ألحق أكبر الأضرار بشواطئ ولايتي نيويورك ونيوجرسي في شهر أكتوبر من عام 2012. لقد أتى الإعصار على آلاف المنازل المقامة قريباً من الشاطئ، وذلك بسبب المدّ الطوفاني الذي غمر الشواطئ كلها بما في ذلك الشواطئ القريبة من المنطقة ذات المنسوب المنخفض من حي مانهاتن المالي الشهير في مدينة نيويورك. وكانت أكثر البيوت تضرراً من الإعصار هي تلك التي تقع في ضاحية «ستيتن آيلاند» إلى الشرق من مانهاتن والقريبة من مطار جون كينيدي. وجاء في تقرير جديد نشرته مجلة «ذي نيو ريبابليك ماجازين»، أنه «مع ارتفاع منسوب سطح البحر، تعرضت البيوت في هذه المناطق إلى أسوأ الأضرار بسبب الإعصار، وبات معظمها غير صالح للترميم أو إعادة البناء». وقد رحّب العديد من ملاّك العقارات في المناطق الشاطئية، مثل شواطئ أوكوود وأوشيان بريز وجراهام بيتش، باقتراحات عرضها البرنامج الفيدرالي لمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية، ووافق كثير من ملاك البيوت هناك على بيعها للحكومة بأسعار معقولة محسوبة على أساس سلّم التسعير الذي كان معمولاً به قبل اندلاع الإعصار. وقرر هؤلاء بشكل جماعي السكن في أماكن أكثر بعداً عن الشواطئ. ومن المقرر أن تعمد الحكومة إلى تهديم كل البيوت الشاطئية المنخفضة وترك الأرض مفتوحة لتجنب الكوارث التي قد تنجم عن عودة الأعاصير إلى المنطقة. وتعاني ولايتان أخريان من كوارث بيئية مماثلة هما فلوريدا وآلاسكا اللتان تواجهان احتمالات اللجوء إلى الخيارات البديلة فيما لو واصل منسوب سطح البحار ارتفاعه. ويتميز معظم القطاع الجنوبي من ولاية فلوريدا على الخصوص بنقص ارتفاعها عن مستوى سطح البحر، وقد تم بناء مدنها وحواضرها فوق طبقات من الصخور الجيرية النفوذة، بما يعني أن مياه البحر يمكن أن تختلط بمياه الأنهار ومصادر مياه الشرب. ومما يزيد الأمور سوءاً أنه من شبه المستحيل إقامة المصدّات الجدارية لمنع تسرّب مياه البحر إلى تلك المناطق بسبب هشاشة التربة الطينية السطحية. ومن المتوقع أن تكون الكوارث التي ستتعرض لها فلوريدا أخطر من تلك التي ستتعرض لها ولاية نيويورك، وهذا الفارق يعتمد أساساً على مدى سرعة ارتفاع منسوب مياه البحر. ويتوقع خبراء أن يصبح نصف الولاية غارقاً تحت مياه المد البحري خلال العقود القليلة المقبلة. وربما يواصل الكونجرس سياسة دفن الرؤوس في الرمال إزاء هذه الظاهرة التي باتت نتائجها بارزة للعيان، إلا أن الشركات الأميركية الكبرى بما فيها تلك التي تستثمر في القطاع العقاري والتأمين، سوف تلحّ في طلبها من الحكومة الفيدرالية من أجل اتخاذ خطوات أكثر فعالية للتخفيف من الأضرار والخسائر المادية الناتجة عن التغير المناخي وآثارها المدمرة على المناطق الساحلية في الكثير من الولايات الأميركية.