يبدو مصطلح «الأجيال الضائعة» مألوفاً في أنحاء جنوب شرق آسيا، وهي منطقة حوصرت على مدار عقود بالحروب الأهلية والغزو الأجنبي والديكتاتورية العسكرية والتدهور الاقتصادي طوال فترة نصف القرن الماضية. وفي ميانمار (بورما)، يشير «الجيل الضائع» إلى الشباب الذين حرمهم النظام العسكري من الحق في المشاركة السياسية خلال تسعينيات القرن الماضي. وقد أغلق المجلس العسكري كثيراً من الجامعات بعد ثورة الطلاب في عام 1988، وهو ما أجبر كثيراً منهم على ترك الدراسة، أو السعي إلى اللجوء في الخارج. وقد تم إلغاء برامج العلوم السياسية من المناهج، التي يلقي عليها الجيش باللائمة في زيادة النشاط السياسي في البلاد. وبعد عقود أصبح هناك نقص في العمالة الماهرة. وعلاوة على ذلك بزغ جيل جديد ليست لديه سوى دراية محدودة بالسياسات الديمقراطية. ويتضمن أيضاً «الجيل الضائع» في ميانمار مَن نزحوا بسبب الصراعات الإثنية. وبعض من هذه الصراعات المحلية تفشت في ريف تلك الدولة خلال العقود الستة الماضية. وقد عبر الآلاف الحدود إلى تايلاند بحثاً عن المأوى والعمل. وعلى رغم ذلك، انتهى بكثير منهم الحال كمهاجرين غير شرعيين أو عمال بلا أوراق. وأما حرب فيتنام فقد أثرت على أجيال متعددة في فيتنام ولاوس وكمبوديا والولايات المتحدة، وما زلنا نتذكر الجنود الذين ماتوا أثناء الحرب، والقرويين الأبرياء الذين حاصرتهم النيران، والناجين المصابين الذين ظنوا أن معاناتهم قد انتهت ولكن مضاعفاتها استمرت مع الزمن. وحتى بعد انتهاء الحرب، ظل آلاف في فيتنام والدول المجاورة يتعرضون للإصابة أو القتل بسبب الألغام غير المتفجرة. وفي هذه الأثناء ترك الجنود من ورائهم زهاء مئة ألف طفل «فيتنامي أميركي» تحملوا سنوات من الذل والإهمال. وفي كمبوديا تلى انتصار «الخمير الحمر» الشيوعيين في عام 1975 ثلاثة أعوام من العنف والإرهاب، أسفرت عن مقتل أكثر من 1,5 مليون شخص أي نحو خمس إجمالي سكان البلاد. ويبيّن ذلك السبب في أن غالبية الكمبوديين الآن تقل أعمارهم عن 30 عاماً. ولكن يساور البعض القلق من أن بعض الكمبوديين قد نسوا بالفعل المأساة الكارثية التي تعرضت لها بلادهم في ظل نظام «الخمير الحمر». ومن بين جملة خسائر الحرب الأخرى «سكان تيمور الشرقية الضائعون» أثناء الوجود الإندونيسي الذي استمر عقدين، وبدأ في عام 1975. وقد قُتل نحو مئة ألف شخص أو ثلث سكان تيمور الشرقية. وقد نقل الجيش ومنظمات مدنية إندونيسية ما يقدر بنحو أربعة آلاف طفل من تيمور الشرقية، وتم تبنيهم في إندونيسيا. وخسرت إندونيسيا أيضاً نحو نصف مليون نسمة في عملية التطهير المناهضة للشيوعية بقيادة الجيش في عام 1965. وأفضى ذلك إلى انتصار سوهارتو الذي حكم البلاد حتى 1998. وظهر جيل جديد «ضائع» بعد أن تأثرت إندونيسيا بالأزمة المالية الآسيوية في عام 1997. وقد أثرت هذه الأزمة، التي فاقمها الاضطراب السياسي، على أسر الطبقة العاملة وأطفالها تأثيراً شديداً. وتضخم عدد أطفال الشوارع والأطفال العاملين في إندونيسيا أثناء تلك الفترة. وعندما يتراجع الاقتصاد، يسعى كثيرون للحصول على فرص أفضل في دول أخرى، وقد يعالج ذلك بصورة مؤقتة مشكلة البطالة، ولكنه يؤدي إلى نشأة كثير من الأطفال بعيداً عن آبائهم. ويمكن القول إن هؤلاء الأطفال «جيل جديد ضائع». ويتضح ذلك بشكل كبير في دول مثل إندونيسيا والفلبين وتايلاند، حيث يوجد عدد كبير من العمال المهاجرين. وفي حالة الفلبين، يوجد أكثر من 12 مليون نسمة، من بين 100 مليون هم مجمل عدد السكان، يعملون في الخارج. وقد أصبح برنامج الطوارئ الذي أرسل بموجبه عمال للخارج في سبعينيات القرن الماضي سياسة دائمة أحدثت تغييرات جذرية في التركيبة الاجتماعية داخل البلاد، وأثرت بصورة خاصة على المفهوم التقليدي للأسرة. وفي الوقت الراهن، بات من الطبيعي أن يكون أحد أفراد الأسرة يعمل في دولة أخرى، وغالباً ما يكون أحد الأبوين. وتواجه منطقة جنوب شرق آسيا في الوقت الراهن قرناً جديداً، ومن ثم فإن عليها السعي لتحقيق السلام والازدهار كبديل عن مرارة تركة الحروب والصراعات بلا طائل التي لا تفضي إلا إلى حصاد من الهشيم والموت والتفكك. وأوضح دليل على ذلك هو ميراث «الأجيال الضائعة» في جنوب شرق آسيا. مونج بالاتينو محلل سياسي متخصص في الشؤون الآسيوية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»