كل من له اهتمام بطبيعة العلاقات بين الشعوب وحكامها، مشغول بالبحث عن إجابة حول سر الذي يقف وراء الحب الجارف لموطني دولة الإمارات تجاه قادتهم، لماذا تجد هذا الشعب مصطفاً وراء قيادته ومؤكداً دائماً دعمه للقرارات الرشيدة لهم؟! أعاني (مثل غيري) في الإجابة على مثل هذا التساؤل بطريقة مقنعة، عندما تتم مواجهتنا به من الآخر، والصعوبة تكمن في أن من لا يعرف تفاصيل العلاقة حول ما يحدث على الأرض يعتبر ما تقوله نوعاً من «حلم اليقظة» لأنه يتابع ما يحدث في العالم، وبالتالي تحاول أن تتفهم «حيرته» لأنه لا يعرف ما يحدث في الإمارات. بكل صراحة، يحتار الكاتب في وصف تلك الصورة التي جمعت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بجندي إماراتي عائد من اليمن ضمن الدفعة الأولى من القوات الإماراتية المرابطة هناك، حيث قلب سموه واحدة من المعادلات السياسية في العرف العربي والخليجي عندما قام سموه بتقبيل رأس الجندي رافضاً في الوقت نفسه أن يقبل الجندي يد سموه. وهذا دليل واضح على تقدير سموه لقيمة عمل الجندي الذي سطّره بشموخ سيذكره التاريخ. عرفياً، تعودنا أن نرى أفراداً من الشعب هم من يقومون بتقبيل شيوخهم إما على رؤوسهم أو على أكتافهم، وذلك كنوع من التقدير والاحترام لهم. وتعودنا كذلك، أن يذهب المواطنون، في كل دول العالم (وليس في العالم العربي فقط)، إلى مقرات القادة من أجل تكريمهم أو إقامة حفل استقبال لهم. لكننا اكتشفنا يوم السبت الماضي، نهجاً جديداً حول ذلك العرف في صورة إماراتية معبرة عن خصوصية العلاقة بين قادة الإمارات وشعبهم. استشعر الكثيرون من أبناء الإمارات دلالة تلك الصورة، وبالتالي أعتقد أنه بعد اليوم لم يعد هناك مجال لحديث أو كلام يمكن أن يعبر أكثر عن إدراك قيادتنا لحجم ما قدمه أبناء الإمارات من تضحيات في سبيل رسالة «قومية» كما وصفها سموه. وإذا كان التواصل الإنساني هو ما يميز العلاقة بين الإماراتيين وقياداتهم، فإنني أظن أن محاولة الإجابة أو حتى الرد على تساؤلات البعض حول الأسباب التي تقف وراء حب الإماراتيين لقادتهم لم يعد هناك ما يمكن أن يقال حول تلك الأسباب، لأن الصورة عبرت أكثر من أي عدد من الكلمات. فقط الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقال حول مثل هكذا تساؤل هو أن السائل سيحمِّل المجيب عبئاً كبيراً لتفسير تلك الأسباب. والحقيقة أنه في كل مرة يجتهد فيها المراقبون محاولين الوصول لفهم العلاقة نتيجة لسلوكيات معينة من القيادة الإماراتية، مثل تعزية القيادة لعائلات الشهداء في منازلهم (وبالتالي نتنفس الصعداء بالوصول إلى إجابة مقنعة لذلك التساؤل)، تحدث مفاجأة جديدة لم تكن في الحسبان، فتدرك أنك مهما ادعيت معرفتك بأسرار هذا الحب المتبادل فإنك تجد صعوبة في سبر أغوار فكر هذه القيادة ورؤيتها العميقة لهذا الإنسان. سيظل المهتمون بمعرفة سر تلك العلاقة يبحثون عن الأجوبة ولن يتوقفوا عن البحث، ربما لأنهم يعتقدون أن الإجابة سهلة مع أنها أصعب مما يتوقعون. لقد عاش المستشرقون والمؤرخون الذين وطأت أقدامهم أرض الإمارات يتابعون الجديد في سلوكيات قادتها من أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والكل يجزم بأنها كانت متابعة صعبة، خاصة بالنسبة لمن أدرك أسلوب زايد. وقيل لنا عن تميز علاقة بعض القادة والحكام حول العالم في متابعة شؤون مواطنيهم، لكني أكاد أجزم أنها لم تصل بعد إلى مستوى علاقات حكام الإمارات بشعوبهم. لقد خرج قادة الإمارات عن المألوف في هذه العلاقة، حتى أنك تستطيع القول بأنه لم يخطر على بال أعظم روائي في العالم أن يكتبها، فهي غير محصورة في تصرفات عادية. يقال في التاريخ إن مَن يفهم الفكر السياسي لدولة ما يمكنه وضع يديه على الكثير من الأجوبة للأسئلة التي تدور في ذهنه، وأن متابعة تصريحات قادة الدول وخطبهم تحمل الكثير من ملامح الإجابة، لكن في حالة الإمارات أنا أعتقد أنه يمكن معرفة «البعض منها» وليس كل ملامح الفكر السياسي فيها، لأنه كما يبدو لي فإننا سنكتشف في كل يوم شيئاً جديداً.