بعد الاتفاق النووي الإيراني الأميركي أخذت تداعيات هذا الاتفاق تظهر في العالم والمنطقة، أقله لجهة إعادة تشكل خريطة التكتلات والتحالفات فيها، سواء بالتقارب الغريب بين كلٍّ من إيران والولايات المتحدة بعدما كان الجانبان يطلقان على بعضهما بعضاً أوصافاً نمطية شهيرة مثل «الشيطان الأكبر» و«محور الشر»، أو أشكال التواصل التي سجلت مؤخراً بين المملكة العربية السعودية والروس، وكما يُقال في السياسة لا توجد صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل هنالك فقط مصالح دائمة، تحدد اتجاه بوصلة العمل السياسي، والعلاقات الدولية، بصفة عامة. والمصالح هي من تفرض نفسها على الواقع، وهي يدور معها حيث تدور، ومن الممكن والوارد جداً أن يكون صديق اليوم هو عدو الغد، وفي الحب والحرب كل شيء ممكن، والسياسة نفسها فن التصرف في هذا الممكن، وكما اتجهت إيران إلى الغرب، يمكن لدول المنطقة السعي لتنويع شراكاتها هي أيضاً، وحتى البحث عن تحالفات لها في الشرق. ولا شك أن الغرب غير مقتنع بأن يكون هناك دور للدب الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة مع التقارب المصري الروسي، الذي كان ذات يوم قوياً بعد العدوان الثلاثي على مصر في 1956، إلى أن تراجعت تلك العلاقة بشكل كبير وخاصة بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقيام مصر بتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقد يكون الحادث الأخير للطائرة الروسية في مصر، الذي يعد من الملفات بالغة الأهمية حالياً، من شأنه أن يرجع بالعلاقات بين الدولتين خطوة إلى الوراء، أو في أقل تقدير يمكن أن يؤدي إلى الحد من العلاقة، حتى لا تتطور إلى تعاون استراتيجي يضر بمصالح بعض القوى العظمى في المنطقة، أو تهدد بشكل مباشر إسرائيل. وحالات إسقاط الطائرات المدنية ليست أمراً جديداً، فهناك الكثير من الحوادث التي شهدها العالم بسبب الصراعات السياسية، والتي اتخذت من ورقة إسقاط طائرات ركاب مدنية طريقة لإيصال تهديد إلى دولة معينة، والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه هنا: هل تستطيع كل من مصر وروسيا الخروج من عقدة الطائرة، التي سقطت في سيناء؟ أم أن ذلك سيجرهما إلى الوراء ويقف حجر عثرة في طريق تعاونهما، وهو ما يبحث عنه الخصوم في المنطقة. لا شك كلتا الدولتين متضررتان من حادثة سقوط الطائرة، وأعتقد أن حل عقدتها يكمن في دراسة السيناريوهات التي ربما وضعها الخصوم الراغبون في إيصال رسائل واضحة وصريحة إلى كل من قد يتجه إلى غيرهم للحفاظ على أمنه واستقراره، والحال أن وسائل إعلام غربية ضخمت الحادثة، ووجهت أصابع الاتهام لتراخي الحالة الأمنية في مطار شرم شيخ، وزعمت قدرة إرهابيين في سيناء على الوصول إلى الطائرات وهي بارتفاعات تصل إلى 30 ألف قدم، وروّجت جميع الفرضيات المدسوسة التي من شأنها ضرب الاقتصاد المصري وإبعاد 50% من مجمل سياح شرم الشيخ من الأوروبيين والروس. هذا علاوة على ضرب روسيا أيضاً، ومحاولة التأثير عليها لإبعادها عن المنطقة، ومحاولة استثارة الرأي العام الداخلي لديها حتى ترجع عن مشوارها، أو إخضاعها وتحويل أجندتها الدولية حسب البوصلة الغربية. وهنالك من يرى أن الرد الروسي على حادثة «الطائرة» ينبغي أن يكون بشن المزيد من الغارات على الإرهابيين، وخصوصاً «الدواعش» الذين لبسوا ثوباً أطول منهم. وليس الرد على حساب العلاقة الدبلوماسية مع مصر، فالحادثة تستهدف العلاقات بين روسيا والعرب بأكملهم، وليس مصر فقط. ومن المفترض أن ترتفع التدابير الأمنية وتزداد الحيطة والحذر من تلك الحوادث العابرة حتى لا يتم استهداف طائرات لدول أخرى وتستخدم كحجة لإبعاد الروس وبقية السائحين. وفي كل الأحوال، يبدو أن وجود روسيا في المنطقة ودخولها على خط الحرب في سوريا أقلق الغرب من الدور المتنامي لموسكو في هذا الجزء من العالم، ولاسيما أن علاقاتها مع مصر تتطور بشكل كبير، ولذا فإن افتراض تهافت الصائدين في المياه العكرة لضرب هذه العلاقة بكل ما أتوا من قوة، لا يبدو ضرباً من الاستسلام لجاذبية «نظرية المؤامرة»، فمن منطق الواقعية السياسية التفكير بأن ثمة أصحاب مصلحة فعلاً يمكن أن يعملوا لتحجيم ما يمكن أن يطالب به بوتين من دور في مستقبل الصراع بالمنطقة.