تفترض بعض أهم المقالات التي كتبت عن السعودية في الآونة الأخيرة أن قلق السعوديين نحو المستقبل يجعلهم يتبنون سياسة خارجية واقعية نشطة، ذات نوايا دفاعية في معظمها، ظاهرها يتشكل من منهج تدخلي غير ليبرالي، اتجهت المملكة إلى تبنيه بهدف مواجهة الأخطار المحيطة، التي تتمثل بتمدد نفوذ جمهورية إيران الإسلامية، وجماعة «الإخوان المسلمين» كقوة سياسية متوزعة جغرافياً، وامتداد خطر «السلفية الجهادية» المقترن بتنظيمات إرهابية أمثال «القاعدة» وتنظيم «داعش». حسب هذه المقالات والدراسات فإن الخطاب الإعلامي للمملكة - في معظمه - يركز على طبيعة الأخطار الخارجية، وتحديداً تلك التي تخص التهديد الإيراني المحيط بالمنطقة، وإمكان تمدد نفوذها إلى داخل الجزيرة العربية، ولكنهم يرون أن المملكة نفسها لا تنظر إلى البحرين من خلال هذه الرؤية، وأن الأمر نفسه ينطبق على الرؤية تجاه الحرب الأهلية في العراق، والوضع المتردي لجماعات السنة المحكومين من قبل الشيعة، وكذلك الحرب الأهلية في سوريا بقيادة الأقلية العلوية التي تواجه تمرداً كبيراً من قبل السنة، ذلك لأن تأجج الوضع الطائفي يجعل الحرب تلوح في الأفق ضمن دائرة كبيرة من العنف والكراهية، بشكل يزيد من خطر العوامل الخارجية على المملكة، ذلك أن تلك الدول الفاشلة والحكومات المركزية الضعيفة، لم تساعد فقط في تجزئة المجتمع، بل عززت من الميل إلى الهويات المحلية والقبلية والعائلية والطائفية بشكل كبير. إن الخلط واللبس في الإعلام الغربي ومراكز الدراسات تجاه سياسة المملكة واضح، ولكنّ الأهم من ذلك، هو تصور السياق الذي تتحدّر منه هذه الاتهامات، وهو ما يمنح القارئ تصوراً كاملاً، حول فهم أبعاد هذا الهجوم، وبيان دوافعه، وكلما اتسع القارئ في التبحر فيها، فهم أنّها تطالع المنطقة، بشكل كليّ، كشرق أوسط، ككتلة واحدة، تتحرك فيها الدول والأفكار في صفحة واحدة، ولا تأخذ عناء الاقتراب، من تطور فكرٍ ما في داخله، كالإشارة إلى أنّ الفكر الوهابي، هو رد فعل، وإلى السياسة الخارجية، والخلط بين ثقل المملكة الديني، وبين اعتبارها موجهاً لكل النشاط السلفي في العالم، وغيره مما يحتاج إلى فهم. إن القلق الصادق الذي يبديه السعوديون وحلفاؤهم من حملات الهجوم والتشويه الذي تتعرض له المملكة في الآونة الأخيرة، هو مبرر، وخصوصاً أن هذه الحملات لا تظهر في شكل مخاطبات فجة، ولكنها تبدو في شكل مرافعات تنشر في كبريات الصحف العالمية، وبأقلام أكاديمية، تتناول التعدد الديني والطائفية والأمراض الاجتماعية والتطرّف، وتستخدم هذه المعطيات بشكل مؤسس للتهجم على المملكة في أكثر من اتجاه، أي حسب دراسة ستنشر قريباً أن السعودية اليوم في مهب عاصفة منبعها القوى الناعمة. لا ينكر السعوديون أنّ ثمة مشكلة، تحتاج إلى حل، بل يحفزهم إلى حد كبير هذا التصعيد لأداء مزيد من المراجعات، التي تساعدهم في طريق الإصلاح المتدرج، ولكنّ هذا لا يعني أنهم يغفلون عن الشعور بوجود تدبير ما، وهذا شأننا. ولكن من المهم في إطار الدفع باتجاه الإصلاحات، أن تبقى القوى التي تترافع لمصلحة التقدم والتطور والإصلاح الاجتماعي والديني وقبول الآخر، والتسامح، والديمقراطية، قوة خالية من الغرض السياسي المضاد المعادي الذي يتكشف عند التنقيب عن قوى ظلامية ورجعية توظف «الميديا» والحداثة للإضرار بالسعودية التي كانت وستبقى دعامة الاستقرار في المنطقة. ولكن على السعوديين أيضاً أن ينفضوا عنهم الكسل والعتب وإدمان الاندهاش، وأن يعملوا ولو من جديد بصمت للوصول إلى أهداف كان يجب تحقيقها قبل ما يقارب خمسة عشر عاماً.