أدت الحكومة الكندية الجديدة اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، بحضور شعبي لأول مرة في تاريخ البلاد، وهي أول حكومة نصف وزرائها من النساء، بينهن أول امرأة مسلمة تحتل منصباً وزارياً في كندا. أما رئيسها جاستن ترودو فهو أول ابن لرئيس وزراء سابق يتولى رئاسة الحكومة الكندية، وثاني أصغر رئيس وزراء في تاريخ كندا. فمن هو ترودو الابن؟ وكيف استطاع الوصول إلى ما وصل إليه سياسياً؟ وما أبرز النقاط على أجندته الداخلية والخارجية؟ جاستين ترودو سياسي كندي يتزعم الحزب الليبرالي الكندي، وقد أصبح رئيساً للوزراء عقب فوز حزبه بانتخابات 19 أكتوبر المنصرم، منهياً 9 أعوام من حكم المحافظين برئاسة ستيفن هاربر. ولد جاستن ترودو عام 1971 في أوتاوا في بيت سياسي معروف، فوالده بيير ترودو كان رئيساً للوزراء وجده من أمه (جيمس سنكلير) كان وزيراً في حكومة رئيس الوزراء الأسبق لويس لوران. وبينما تقاعد ترودو الأب من رئاسة الوزراء عام 1984، واصل ترودو الابن دراسته في «كوليج جان دي بربوف»، وحصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة مكغيل، ومثلها في التربية من جامعة كولومبيا البريطانية (كندا)، ليعمل ابتداءً من 1994 مدرساً للغة الفرنسية في مدرسة «ويست بوينت» الابتدائية، ثم في مدرسة «السير ونستون تشرشل» الثانوية (فانكوفر بكندا). لكن بداية من عام 2002 سيلتحق ترودو بكلية الهندسة في جامعة مونتريال، ثم يحضِّر الماجستير في الجغرافيا من جامعة ماكجيل عام 2004، قبل أن يتفرغ في العام التالي للعمل العام. وكان ترودو قد بدأ ينجذب للعمل العام منذ عام 2000 عندما أسس مع عائلته حملة للسلامة في الرياضات الشتوية، بعد عامين من وفاة شقيقه ميشال ترودو في انهيار جليدي خلال رحلة تزلج. كما كان في الفترة بين عامي 2002 و2003 عضواً نشطاً بفريق برنامج إذاعة «سي بي سي» (كندا تقرأ)، ثم افتتح في عام 2004، مع شقيقه الكسندر، مركز «ترودو لدراسات السلام والنزاعات» والذي أصبح جزءاً من مدرسة «مونك» للشؤون العالمية. وفي الفترة بين 2002 و2006 ترأس برنامج «كتمفك» للشباب، وهو مشروع كان قد أسسه صديق عائلته جاك هيبير. ومن المواقف التي أكسبته شعبيةً معركتُه في عام 2005 ضد إقامة منجم للزنك، حيث قال إن المنجم سيسمم نهر «نهاني» الواقع في الأقاليم الشمالية الغربية، والمصنَّف ضمن قائمة اليونسكو لموقع التراث العالمي. وخلال العام التالي شارك في حملة دعت للمشاركة الكندية في حل أزمة دارفور. وشارك ترودو في وقت مبكر من شبابه في تقديم الدعم للحزب الليبرالي، وأيد زعيمه جون تينر خلال الانتخابات الفيدرالية عام 1988، كما دافع وهو طالب عن مواقف الليبراليين المؤيدة للفيدرالية الكندية. لكن ترودو ازداد انخراطاً في الحزب عقب وفاة والده عام 2000، فبعد ذلك بثلاثة أعوام استضاف حفل تكريم رئيس الوزراء المنتهية ولايته جان كريتيان في مؤتمر قيادة الحزب، ثم أنيطت به رئاسة لجنة لتنشيط دور الشباب عقب هزيمة الليبراليين في الانتخابات الفيدرالية عام 2006. وفي ذلك العام أعلن دعمه ترشح جيرارد كينيدي لرئاسة الحزب، وحين أخفق كينيدي في الشوط الثاني من الانتخابات الداخلية، قررا معاً دعم المرشح الفائز، وهو ستيفان ديون، «حفاظاً على وحدة الحزب». وفي عام 2007 خاض ترودو أول انتخابات داخلية للظفر بترشيح الحزب عن دائرة «بابينو» في مونتريال، وفاز على منافسته «ماري دروس» عضو مجلس مدينة مونتريال، لكنه فاز بفارق ضئيل على فيفيان باربو، عضو البرلمان المنتهية ولايته عن حزب الكتلة الكيبيكية، ليصبح عضواً في البرلمان لأول مرة في أكتوبر 2008، حيث انضم لكتلة المعارضة الليبرالية. وفي البرلمان الكندي رقم 40 قدم ترودو منفرداً مشروع «سياسة الخدمة التطوعية الوطنية للشباب»، فحظي بدعم البرلمانيين من جميع الأحزاب. وفي أبريل من العام التالي ترأس المؤتمر الوطني لحزبه في فانكوفر، وفي أكتوبر من العام نفسه عين سكرتير الحزب لشؤون التعددية الثقافية والشباب، ثم أُعيد تعيينه في سبتمبر 2010 سكرتيراً للشباب والمواطنة والهجرة. وفي ذلك العام شجع زيادة جهود الإغاثة الكندية لهايتي عقب الزلزال الذي ضربها، وطالب بتسهيل إجراءات الهجرة منها إلى كندا في أوقات الأزمات. وأعيد انتخاب ترودو عن دائرة بابينو في الانتخابات الفيدرالية لعام 2011، لكن الحزب الليبرالي تراجع للمركز الثالث، مما دفع مايكل إغناتييف للاستقالة من زعامة الحزب، وقيل وقتها إن ترودو قد يحل محله. لكن سرعان ما تم اختيار بوب راي النائب عن تورونتو رئيساً مؤقتاً للحزب. وفي سبتمبر 2012 أعلن ترودو نيته الترشح لزعامة الحزب، فنافس خمسة مرشحين آخرين، ليفوز في الشوط الأول وبنسبة 80.1? من الأصوات في 14 أبريل 2013. بدأ ترودو إعادة رص صفوف حزبه لمنازلة المحافظين في الانتخابات العامة التالية، فأجرى مصالحة بين الأجنحة ومراكز القوى داخل الحزب، وأطلق شريط فيديو قبل أسبوع واحد من مؤتمر الحزب 2014 يعرض فيه برنامجه الاقتصادي، حيث أوضح أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في كندا قد انخفضت خلال السنوات الأخيرة، وأنه آن الأوان لأوتاوا كي تصعد. وبعد حملة انتخابية طويلة، فاز الحزب الليبرالي الكندي بانتخابات 19 أكتوبر المنصرم، متقدماً من المركز الثالث إلى الأول بعدد يقارب 186 نائباً. وحين ألّف ترودو حكومته، أرادها شابة ومتنوعة عرقياً، وهي مكونة من 30 وزيراً مقسّمة بالتساوي بين النساء والرجال، أغلب أعضائها تحت سن الخمسين، بينهم وزيران من السكان الأصليين، ووزيرة مسلمة (أفغانية)، وثلاثة وزراء هنود سيخ. إنها «كندا في عام 2015»، كما قال ترودو، والذي يقدم نفسه باعتباره رجل «التجديد الديمقراطي»، حيث تعهد في حملته الانتخابية الأخيرة بتطبيق أجندة تشمل فتح حوار عام حول نظام الاقتراع النسبي، وبإصلاح مجلس الشيوخ. وفي المجال المالي والاقتصادي، اقترح خططاً لتحقيق الشفافية في عمل الحكومة وقراراتها المالية، ووعد بتبني سياسة لتسعير الكربون، وبدعم البنية التحتية، كما أعلن عزمه الدفاع عن الطبقة الوسطى، وإنهاء الصراع اللغوي في كندا بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية عبر تشجيع التكامل والتعايش. وأخيراً، على صعيد السياسة الخارجية، يريد ترودو لكندا أن تصبح أكثر انخراطاً على الساحة الدولية، وأن تضطلع بدور بناء وإيجابي في الصراع العربي الإسرائيلي. محمد ولد المنى