كيف ستتصرف تركيا برصيدها السياسي، بعد نتائج انتخابات مطلع نوفمبر 2015؟ كيف سنتعايش نحن أبناء المنطقة العربية، خلال المرحلة القادمة مع الطموحات التركية من جانب والتحركات الإيرانية من جانب آخر، بعد فوز حزب «العدالة والتنمية» التركي في هذه الانتخابات؟ هل هو «ولي فقيه» تركي يبرز شمال العالم العربي، بأردوغان وأوغلو، وببرنامج شعبي وإقليمي، يقودان «الجناح السُني» مقابل «ولي فقيه الشيعة» في طهران وقم. وسط انقسامات وفراغات وصراعات عربية لا تحصى؟ دولتان من أكبر دول المنطقة، لهما أهداف سياسية وعقائدية معلنة، ومشاريع هيمنة وتصدير واستلحاق، بينما يتطاحن العالم العربي داخل حدوده وخارجها.. بلا هدف معروف أو برنامج واضح. فوق ذلك، تعد بعض شعوبه الأيام والأسابيع لتخرج من بلادها مهاجرة ولاجئة، ضاربة في أرض الله الممتدة، وبحار الدنيا الواسعة.. بلا هدي؟ إسلاميو تركيا، بعد هذا الفوز، قد يشحنون بالطاقة والطموح جماعات الإسلام السياسي، وأحزاب التشدد الديني في المنطقة العربية وربما عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا، فيما تجد دول عربية عديدة نفسها في حالة دفاع عن النفس وعجز عن إقناع شعوبها بمخاطر هيمنة الأحزاب الدينية التي ستقتبس من تركيا وتستقوي بها. أهم هذه الأحزاب كما هو واضح معلوم «الإخوان المسلمون»، الذي يلقى العون السري والإسناد العلني من الرئيس أردوغان، وستزداد ملامح هذا الدعم بلاشك في القادم من الأيام في مصر وليبيا وغزة وتونس والسودان والمنطقة الخليجية وغيرها. أشارت الصحف قبل ظهور النتائج أن «الرئيس المحافظ رجب طيب أردوغان، الذي يحكم بمفرده منذ 13 عاماً، تجاوز النكسة الكبيرة التي واجهها حزبه قبل خمسة أشهر فقط، عندما حُرم من الأغلبية المطلقة في البرلمان، مما قضى مؤقتاً على حلمه بتعزيز صلاحياته الرئاسية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على ما بين 40 و43 في المئة من الأصوات، وهي نسبة لا تسمح له بالحكم بمفرده». «أحمد داود أوغلو» رئيس الحزب، أعلن تأييده، كما أضافت الصحف، لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في مطلع نوفمبر الحالي، بعد أن رفضت الأحزاب الثلاثة الفائزة في انتخابات يونيو الاشتراك في الحكومة. كما أن «داود أوغلو» توقع وجود مستوى من التقبل الشعبي لإجراء تلك الانتخابات، كما أن الانتخابات المبكرة كما قيل، ستكون في صالح حزب العدالة والتنمية، الذي يحتاج قرابة 800 ألف صوت جديد من قبل الناخبين البالغ عددهم قرابة 52 مليونا، من شأنها إعطاء حزب العدالة والتنمية 18 نائباً إضافياً فقط، يحتاج إليهم من أجل بلوغ النصاب القانوني الذي يخوله تشكيل الحكومة منفرداً مجدداً وقدره 276 مقعداً برلمانياً». وأضاف التحليل أن حزب العدالة والتنمية يعوِّل في هذا الصدد «على استعادة بعض النقاط التي خسرها، معتمداً على الضربات العسكرية التي يوجهها إلى معاقل حزب العمال الكردستاني». كذلك يعتمد الحزب على نجاحه في الاقتصاد، الذي تمخض عن رفع مستوى دخل الفرد من 3 آلاف دولار سنوياً إلى عشرة آلاف دولار. من المستبعد في اعتقادي أن يكون نجاح حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات التركية تعزيزاً لمستقبل الديمقراطية بالضرورة في المنطقة وفي العالم الإسلامي، فأهداف الحزب المعلنة ليست ترسيخا للديمقراطية بقدر ما هي «أسلمة تركيا»، وتغيير علمانية دولتها وإعادة كتابة الدستور، وباختصار السير على خط مصطفى أتاتورك.. بالممحاة. وكما في أماكن كثيرة للأسف، تهتم قطاعات واسعة من الناخبين قبل كل شيء بتحسن أحوالها المعيشية.. فوق كل شيء. العالم العربي ربما وجد نفسه محاصراً قريباً بين «المطرقة» التركية في الشمال، و«السندان» الإيراني في الجنوب والشرق، وسط واقع مضطرب، وأسعار بترول متراجعة.. ومشاكل أخرى غير متوقعة. كلمة «سندان» بالمناسبة، كما يقول قاموس المنجد.. فارسية! هل ثمة احتمال لعودة الدور السياسي للجيش التركي؟ وما ستكون طبيعة العلاقات التركية – الإيرانية، فثمة تغييرات قادمة تشمل البلدين.. وبخاصة إيران. ما موقف تركيا من أوروبا وإسرائيل والصراع في سوريا والمنطقة الخليجية.. والربيع العربي وما بقي من نسماته؟ إذا ما نجح حزب «العدالة والتنمية» في ترميم شعبية واقتناص نسبة أعلى من الأصوات تخوله تشكيل الحكومة منفرداً أو تمرير دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي وتعزيز النظام إلى نظام رئاسي، يقول الباحث بشير عبدالفتاح في مقال دورية الديمقراطية نفسه، «فستعود تركيا إلى حقبة حكم الحزب الواحد المهيمن على المشهد السياسي التركي، خصوصاً بعدما أظهرت أزمة تشكيل الحكومة الائتلافية عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة مدى عجز الأحزاب السياسية التركية عن التعايش المشترك والعمل بشكل جماعي»، فهل هذا كله مبعث قلق لنا.. أم اطمئنان؟